كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٤٩
والأول باطل لعدم القائل به على ما نقله الجويني وأثبت القاضي عبد الجبار (1) إمامة أبي بكر لأنه بايعه واحد وهو عمر برضى أربعة أبي عبيدة، وسالم مولى حذيفة، وأسد بن حصين، وبشر بن سعد، ولأنه من المعلوم بالضرورة امتناع الكل في لحظة واحدة على اختيار شخص واحد ثم من المعلوم امتناع معرفة الخلق كلهم لشخص واحد ومعرفة اجتماع شرائط الإمامة فيه لأنا نعلم تباعد أمكنة المكلفين وتنائي مواضعهم، ومثل هؤلاء يمتنع اتفاقهم على ذلك (2) وأما الثاني: فأما أن يشترط فيه انعقاد عدد معين أولا، والأول باطل لعدم الدليل عليه، فإنه لا عدد أولى من عدد، ومن المعلوم أنه لو نقص عن العدد المشترط واحد لم يؤثر في وجوب طاعة المنصوب كما لو زاد لم يؤثر زيادته، وأيضا لم كان قول بعض المكلفين حجة على أنفسهم وعلى غيرهم بحيث يحرم بعد ذلك مخالفته ويجب اتباعه، وأي دليل يدل على ذلك فإن العقل غير دال عليه ولا وجد في النقل عن النبي ما يدل عليه، والثاني أيضا باطل

(1) المعتزلي ابن أحمد بن عبد الجبار الهمداني الأسد آبادي شيخ المعتزلة في عصره استدعاه الصاحب بن عباد إلى الري وبقي فيها مواضبا على التدريس إلى أن توفي عام 415 ه‍.
(2) وقد يدفع هذا الإشكال أولا: بأن اشتراط الاتفاق لحظة واحدة لا ملزم للقول به، بل نقول بجواز اتفاقهم ولو تدريجا، وبعد أمد تصبح مجمعة عليه، وإما أن اتفاقهم لا يكون فمدفوع لجواز وقوعه ويكفي في الفرض الجواز، وثانيا: لو يجوز الاتفاق لحظة واحدة؟ وذلك فيما لو استناب أهل كل صقع رجلا يختار عنهم، واتفق النواب كلهم على واحد لحظة واحدة كما يقع اليوم في اختيار الملوك ورؤساء الجمهوريات، وثالثا: بأن اتفاق الجميع لا تشترط فيه - معرفة الجميع، بل يكفي فيه معرفة أهل الصلاح والعلم، والناس تتبعهم حسن ظن بهم، فالأحرى إذن أن يقال في الجواب: بأن الاتفاق لو فرض حصوله دفعة أو تدريجا وإنه حصل عن معرفة الجميع أو معرفة أهل العلم والصلاح فلا يغني ذلك في فائدة الإمام وحكمة نصبه، فإن ذلك لا يجعله حافظا للشريعة مأمونا من الخطأ عمدا وسهوا، ولربما تعتقد بوقوع المخالفة للشريعة، وهو فيما لو تعاقب إمامان وأفتى كل واحد منهما بما يخالف الآخر في الحدود أو المواريث أو سواهما، فإنا نقطع بأن أحدهما مخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله من الدين، بل جوز عليهما معا المخالفة، وإن ما جاء به غير ما أفتيا فيه فكيف نصيب في هذه الإمامة أحكام الشريعة، وكيف يرتضي اللطيف تعالى إمامة مثل هؤلاء؟ وللفرار منها مندوحة.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست