لسان العرب - ابن منظور - ج ١٢ - الصفحة ٢٩٤
أنه دخل في باب السلامة حتى يسلم المؤمنون من بوائقه. وفي الحديث: السلام أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. قال ابن الأثير: يقال أسلم فلان فلانا إذا ألقاه في الهلكة ولم يحمه من عدوه، وهو عام في كل من أسلم إلى شئ، لكن دخله التخصيص وغلب عليه الالقاء في الهلكة، ومنه الحديث: إني وهبت لخالتي غلاما فقلت لها: لا تسلميه حجاما ولا صائغا ولا قصابا أي لا تعطيه لمن يعلمه إحدى هذه الصنائع، قال ابن الأثير: أنما كره الحجام والقصاب لأجل النجاسة التي يباشرانها مع تعزر الاحتراز، وأما الصائغ فيما يدخل صنعته من الغش، ولأنه يصوغ الذهب والفضة، وربما كان عنده آنية أو حلي للرجال، وهو حرام، ولكثرة الوعد والكذب في نجاز ما يستعمل عنده. وفي الحديث: ما من آدمي إلا ومعه شيطان، قيل:
ومعك؟ قال: نعم ولكن الله أعاني عليه فأسلم، وفي رواية: حتى أسلم أي انقاد وكف عن وسوستي، وقيل: دخل في الاسلام فسلمت من شره، وقيل: إنما هو فأسلم، بضم الميم، على أنه فعل مستقبل أي أسلم أنا منه ومن شره، ويشهد للأول الحديث الاخر: كان شيطان آدم كافرا وشيطاني مسلما. وأما قوله تعالى: قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، قال الأزهري: فإن هذا يحتاج الناس إلى تفهمه ليعلموا أين ينفصل المؤمن من المسلم وأين يستويان، فالاسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبه يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الاظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الايمان الذي هذه صفته، فأما من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم وباطنه غير مصدق، فذلك الذي يقول أسلمت، لان الايمان لا بد من أن يكون صاحبه صديقا، لان الايمان التصديق، فالمؤمن بطن من التصديق مثل ما يظهر، والمسلم التام الاسلام مظهر للطاعة مؤمن بها، والمسلم الذي أظهر الاسلام تعوذا غير مؤمن في الحقيقة إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلم، قال، وإنما قلت إن المؤمن معناه المصدق لان الايمان مأخوذ من الأمانة، لان الله تعالى تولى علم السرائر وثبات العقد، وجعل ذلك أمانة ائتمن كل مسلم على تلك الأمانة، فمن صدق بقلبه بما أظهره لسانه فقد أدى الأمانة واستوجب كريم المآب إذا مات عليه، ومن كان قلبه على خلاف ما أظهر بلسانه فقد حمل وزر الخيانة والله حسبه، وإنما قيل للمصدق مؤمن وقد آمن لأنه دخل في حد الأمانة التي ائتمنه الله عليها، وبالنية تنفصل الاعمال الزاكية من الاعمال البائرة، ألا ترى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، جعل الصلاة إيمانا والوضوء إيمانا؟ وفي حديث ابن مسعود: أنا أول من أسلم، يعني من قومه، كقوله تعالى عن موسى: وأنا أول المؤمنين، يعني مؤمنئ زمانه، فإن ابن مسعود لم يكن أول من أسلم وإن كان من السابقين. وفي الحديث: كان يقول إذا دخل شهر رمضان: اللهم سلمني من رمضان وسلم رمضان لي وسلمه مني، قوله سلمني منه أي لا يصيبني فيه ما يحول ببني وبين صومه من مرض أو غيره، قال: وقوله وسلمه لي هو أن لا يغم عليه الهلال في أوله وآخره فيلتبس عليه الصوم الفطر، وقوله وسلمه مني أي بالعصمة من المعاصي فيه. وفي حديث الافك:
وكان علي مسلما في شأنها أي سالما لم يبد بشئ
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»
الفهرست