بجليل الاخبار، وجميل الآثار، مضافا إلى ما فيه من آيات القرآن الكريم، والكلام على معجزات الذكر الحكيم، ليتحلى بترصيع 1 دررها عقده، ويكون على مدار الآيات والاخبار والآثار والأمثال والاشعار حله وعقده، فرأيت أبا السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري قد جاء في ذلك بالنهاية، وجاوز في الجودة حد الغاية، غير أنه لم يضع الكلمات في محلها، ولا راعى زائد حروفها من أصلها، فوضعت كلا منها في مكانه، وأظهرته مع برهانه، فجاء هذا الكتاب بحمد الله واضح المنهج سهل السلوك، آمنا بمنة الله من أن يصبح مثل غيره وهو مطروح متروك. عظم نفعه بما اشتمل من العلوم عليه، وغني بما فيه عن غيره وافتقر غيره إليه، وجمع من اللغات والشواهد والأدلة، ما لم يجمع مثله مثله، لان كل واحد من هؤلاء العلماء انفرد برواية رواها، وبكلمة سمعها من العرب شفاها ولم يأت في كتابه بكل ما في كتاب أخيه، ولا أقول تعاظم عن نقل ما نقله بل أقول استغنى بما فيه ، فصارت الفوائد في كتبهم مفرقة، وسارت أنجم الفضائل في أفلاكها هذه مغربة وهذه مشرقة، فجمعت منها في هذا الكتاب ما تفرق، وقرنت بين ما غرب منها وبين ما شرق، فانتظم شمل تلك الأصول كلها في هذا المجموع، وصار هذا بمنزلة الأصل وأولئك بمنزلة الفروع، فجاء بحمد الله وفق البغية وفوق المنية، بديع الاتقان، صحيح الأركان، سليما من لفظة لو كان. حللت بوضعه ذروة الحفاظ، وحللت بجمعه عقدة الالفاظ، وانا مع ذلك لا أدعى فيه دعوى فأقول شافهت أو سمعت، أو فعلت أو صنعت، أو شددت أو رحلت، أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهري وابن سيده لقائل مقالا، ولم يخليا فيه لاحد مجالا، فإنهما عينا في كتابيهما عمن رويا، وبرهنا عما حويا، ونشرا في خطيهما ما طويا. ولعمري لقد جمعا فأوعيا، وأتيا بالمقاصد ووفيا.
وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها، سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم، وبسطت القول فيه ولم أشبع باليسير، وطالب العلم منهوم. فمن وقف فيه على صواب أو زلل، أو صحة أو خلل، فعهدته على المصنف الأول، وحمده وذمه لاصله الذي عليه المعول. لأنني نقلت من كل أصل مضمونه، ولم أبدل منه شيئا، فيقال فإنما إثمه على الذين يبدلونه، بل أديت الأمانة في نقل الأصول بالفص، وما تصرفت فيه بكلام غير ما فيها من النص، فليعتد من ينقل عن كتابي هذا أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة، وليغن عن الاهتداء بنجومها فقد غابت لما أطلعت شمسه.
والناقل عنه يمد باعه ويطلق لسانه، ويتنوع في نقله عنه لأنه ينقل عن خزانة.
والله تعالى يشكر ما له بالهام جمعه من منة، ويجعل بينه وبين محرفي كلمه عن مواضعه واقية وجنة. وهو المسؤول أن يعاملني فيه بالنية التي جمعته لأجلها، فإنني لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولان العالم بغوامضها يعلم ما توافق فيه النية اللسان 2 ويخالف فيه اللسان النية، وذلك لما رايته قد غلب، في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحنا مردودا، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودا. وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب،