باب ألقاب الحروف وطبائعها وخواصها قال عبد الله محمد بن المكرم: هذا الباب أيضا ليس من شرطنا لكني اخترت ذكر اليسير منه، وإني لا أضرب صفحا عنه ليظفر طالبه منه بما يريد وينال الإفادة منه من يستفيد ، وليعلم كل طالب أن وراء مطلبه أخر، وأن لله تعالى في كل شئ سرا له فعل واثر. ولم أوسع القول فيه خوفا من انتقاد من لا يدريه.
ذكر ابن كيسان في ألقاب الحروف: أن منها المجهور والمهموس، ومعنى المجهور منها أنه لزم موضعه إلى انقضاء حروفه، وحبس النفس أن يجري معه، فصار مجهورا لأنه لم يخالطه شئ يغيره، وهو تسعة عشر حرفا: الألف والعين والغين والقاف والجيم والباء والضاد واللام والنون والراء والطاء والدال والزاي والظاء والذال والميم والواو والهمزة والياء، ومعنى المهموس منها أنه حرف لان مخرجه دون المجهور، وجرى معه النفس، وكان دون المجهور في رفع الصوت، وهو عشرة أحرف: الهاء والحاء والخاء والكاف والشين والسين والتاء والصاد والثاء والفاء، وقد يكون المجهور شديدا، ويكون رخوا، والمهموس كذلك.
وقال الخليل بن أحمد: حروف العربية تسعة وعشرون حرفا منها خمسة وعشرون حرفا صحاح، لها أحياز ومدارج، وأربعة أحرف جوف: الواو والياء والألف اللينة والهمزة ، وسميت جوفا لأنها تخرج من الجوف، فلا تخرج في مدرجة من مدارج الحلق، ولا مدارج اللهاة، ولا مدارج اللسان، وهي في الهواء، فليس لها حيز تنسب إليه إلا الجوف.
وكان يقول: الألف اللينة والواو والياء هوائية أي أنها في الهواء. وأقصى الحروف كلها العين، وارفع منها الحاء، ولولا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها منها، ثم الهاء، ولو لا هتة في الهاء، وقال مرة أخرى ههة في الهاء، لأشبهت الحاء لقرب مخرجها منها، فهذه الثلاثة في حيز واحد، ولهذه الحروف ألقاب أخر، الحلقية: العين والهاء والحاء والخاء والغين، اللهوية : القاف والكاف، الشجرية:
الجيم والشين والضاد، والشجر مفرج الفم، الأسلية: الصاد والسين والزاي، لان مبدأها من أسلة اللسان وهي مستدق طرفه، النطعية: الطاء والذال والتاء، لان مبدأها من نطع الغار الاعلى، اللثوية: الظاء والدال والثاء، لان مبدأها من اللثة، الذلقية: الراء واللام والنون، الشفوية: الفاء والباء والميم، وقال مرة شفهية، الهوائية: الواو والألف والياء. وسنذكر في صدر كل حرف أيضا شيئا مما يخصه.
واما ترتيب كتاب العين وغيره، فقد قال الليث بن المظفر: لما أراد الخليل بن أحمد الابتداء في كتاب العين أعمل فكره فيه، فلم يمكنه أن يبتدئ في أول حروف المعجم، لان الألف حرف معتل، فلما فاته أول الحروف كره أن يجعل الثاني أولا، وهو الباء، إلا بحجة وبعد استقصاء ، فدبر ونظر إلى الحروف كلها وذاقها، فوجد مخرج الكلام كله من الحق، فصير أولاها، في الابتداء، أدخلها في الحلق.
وكان إذا أراد أن يذوق الحرف فتح فاه بألف ثم أظهر الحرف ثم يقول: أب ات اث اج اع، فوجد العين أقصاها في الحلق، وأدخلها، فجعل أول الكتاب العين، ثم ما قرب مخرجه منها بعد العين الأرفع