بسم الله الرحمن الرحيم قال عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن بن أحمد الأنصاري الخزرجي، عفا الله عنه بكرمه:
الحمد لله رب العالمين، تبركا بفاتحة الكتاب العزيز، واستغراقا لأجناس الحمد بهذا الكلام الوجيز، إذ كل مجتهد في حمده، مقصر عن هذه المبالغة، وان تعالى، ولو كان للحمد لفظ أبلغ من هذا لحمد به نفسه، تقدس وتعالى، نحمده على نعمه التي يواليها في كل وقت ويجددها، ولها الأولوية بان يقال فيها نعد منها ولا نعددها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المشرف بالشفاعة، المخصوص ببقاء شريعته إلى يوم الساعة، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، وأتباعهم الأخيار، صلاة باقية بقاء الليل والنهار.
أما بعد فان الله سبحانه قد كرم الانسان وفضله بالنطق على سائر الحيوان، وشرف هذا اللسان العربي بالبيان على كل لسان، وكفاه شرفا أنه به نزل القران، وأنه لغة أهل الجنان. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقران عربي، وكلام أهل الجنة عربي، ذكره ابن عساكر في ترجمة زهير بن محمد بن يعقوب.
واني لم أزل مشغوفا بمطالعات كتب اللغات والاطلاع على تصانيفها، وعلل تصاريفها، ورأيت علماءها بين رجلين: أما من أحسن جمعه فإنه لم يحسن وضعه، واما من أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه، فلم يفد حسن الجمع مع إساءة الوضع، ولا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع.
ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن احمد الأزهري، ولا أكمل من المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي، رحمهما الله، وهما من أمهات كتب اللغة على التحقيق، وما عداهما بالنسبة اليهما ثنيات للطريق. غير أن كلا منهما مطلب عسر المهلك، ومنهل وعر المسلك، وكان واضعه شرع للناس موردا عذبا وجلاهم عنه، وارتاد لهم مرعى مربعا ومنعهم منه، قد أخر وقدم، وقصد أن يعرب فأعجم. فرق الذهن بين الثنائي والمضاعف والمقلوب، وبدد الفكر باللفيف والمعتل والرباعي والخماسي فضاع المطلوب، فأهمل الناس أمرهما، وانصرفوا عنهما، وكادت البلاد لعدم الاقبال عليهما أن تخلو منهما.
وليس لذلك سبب إلا سوء الترتيب، وتخليط التفصيل والتبويب. ورأيت أبا نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قد أحسن ترتيب مختصره، وشهره، بسهولة وضعه، شهرة أبي دلف بين بادية ومحتضره، فخف على الناس أمره فتناولوه، وقرب عليهم مأخذه فتداولوه وتناقلوه، غير أنه في جو اللغة كالذرة وفي بحرها كالقطرة، وان كان في نحرها كالدرة، وهو مع ذلك قد صحف وحرف، وجزف فيما صرف، فاتيح له الشيخ أبو محمد بن بري فتبع ما فيه، وأملي عليه أماليه، مخرجا لسقطاته، مؤرخا لغلطاته، فاستخرت الله سبحانه وتعالى في جمع هذا الكتاب المبارك، الذي لا يساهم في سعة فضله ولا يشارك، ولم أخرج فيه عما في هذه الأصول، ورتبته ترتيب الصحاح في الأبواب والفصول، وقصدت توشيحه