خصوصية بالمثلثة الهوائية، ومنها ما هو بارد رطب طبع الماء، وهو: الدال والحاء واللام والعين والراء والخاء والغين، وله خصوصية بالمثلثة المائية.
ولهذه الحروف في طبائعها مراتب ودرجات ودقائق وثوان وثوالث وروابع وخوامس يوزن بها الكلام، ويعرف العمل به علماؤه، ولو لا خوف الإطالة، وانتقاد ذوي الجهالة، وبعد أكثر الناس عن تأمل دقائق صنع الله وحكمته، لذكرت هنا أسرارا من افعال الكواكب المقدسة، إذا مازجتها الحروف تخرق عقول من لا اهتدى إليها، ولا هجم به تنقيبه وبحثه عليها. ولا انتقاد علي في قول ذوي الجهالة، فان الزمخشري، رحمه الله تعالى، قال في تفسير قوله عز وجل: وجعلنا السماء سقفا محفوظا، وهم عن آياتها معرضون، قال: عن آياتها اي عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر، كالشمس والقمر، وسائر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها على الحساب القويم، والترتيب العجيب ، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة.
قال وأي جهل أعظم من جهل من أعرض عنها، ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها والاعتبار بها، والاستدلال على عظمة شان من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه الا هو جلت قدرته، ولطف علمه. هذا نص كلام الزمخشري رحمه الله.
وذكر الشيخ أبو العباس احمد البوني رحمه الله قال: منازل القمر ثمانية وعشرون منها أربعة عشر فوق الأرض، ومنها أربعة عشر تحت الأرض. قال: وكذلك الحروف: منها أربعة عشر مهملة بغير نقط، وأربعة عشر معجمة بنقط، فما هو منها غير منقوط، فهو أشبه بمنازل السعود، وما هو منها منقوط، فهو منازل النحوس والممتزجات، وما كان منها له نقطة واحدة، فهو أقرب إلى السعود، وما هو بنقطتين، فهو متوسط في النحوس، فهو الممتزج، وما هو بثلاث نقط، فهو عام النحوس. هكذا وجدته.
والذي نراه في الحروف انها ثلاثة عشر مهملة وخمسة عشر معجمة، إلا أن يكون كان لهم اصطلاح في النقط تغير في وقتنا هذا.
واما المعاني المنتفع بها من قواها وطبائعها فقد ذكر الشيخ أبو الحسن علي الحراني والشيخ أبو العباس احمد البوني والبعلبكي وغيرهم، رحمهم الله، من ذلك ما اشتملت عليه كتبهم من قواها وتأثيراتها، ومما قيل فيها أن تتخذ الحروف اليابسة وتجمع متواليا، فتكون متقوية لما يراد فيه تقوية الحياة التي تسميها الأطباء الغريزية، أو لما يراد دفعه من آثار الأمراض الباردة الرطبة، فيكتبها، أو يرقي بها، أو يسقيها لصاحب الحمي البلغمية والمفلوج والملووق. وكذلك الحروف الباردة الرطبة، إذا استعملت بعد تتبعها، وعولج بها، رقية أو كتابة أو سقيا، من به حمى محرقة، أو كتبت على ورم حار ، وخصوصا حرف الحاء لأنها، في عالمها، عالم صورة. وإذا اقتصر على حرف منها كتب بعدده، فيكتب الحاء مثلا ثماني مرات، وكذلك ما تكتبه من المفردات تكتبه بعدده. وقد شاهدنا نحن ذلك في عصرنا، ورأينا، من معلمي الكتابة وغيرهم، من يكتب على خدود الصبيان، إذا تورمت، حروف أبجد بكمالها، ويعتقد أنها مفيدة، وربما أفادت، وليس الامر كما اعتقد، وإنما لما جهل أكثر الناس طبائع الحروف، ورأوا ما يكتب منها، ظنوا الجميع أنه مفيد فكتبوها كلها.