فالأرفع، حتى أتى على آخر الحروف، فقلب الحروف عن مواضعها، ووضعها على قدر مخرجها من الحلق.
وهذا تأليفه وترتيبه: العين والحاء والهاء والخاء والغين والقاف والكاف والجيم والشين والضاد والصاد والسين والزاي والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والراء واللام والنون والفاء والباء والميم والياء والواو والألف.
وهذا هو ترتيب المحكم لابن سيده، إلا انه خالفه في الأخير، فرتب بعد الميم الألف والياء والواو.
ولقد أنشدني شخص بدمشق المحروسة أبياتا، في ترتيب المحكم، هي أجود ما قيل فيها:
عليك حروفا هن خير غوامض، * قيود كتاب، جل، شانا، ضوابطه صراط سوي، زل طالب دحضه، * تزيد ظهورا ذا ثبات روابطه لذلكم نلتذ فوزا بمحكم، * مصنفه، أيضا، يفوز وضابطه وقد انتقد هذا الترتيب على من رتبه. وترتيب سيبويه على هذه الصورة:
الهمزة والهاء والعين والحاء والخاء والغين والقاف والكاف والضاد والجيم والشين واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والياء والألف والواو.
واما تقارب بعضها من بعض وتباعدها، فان لها سرا، في النطق، يكشفه من تعناه، كما انكشف لنا سره في حل المترجمات، لشدة احتياجنا إلى معرفة ما يتقارب بعضه من بعض ، ويتباعد بعضه من بعض، ويتركب بعضه مع بعض، ولا يتركب بعضه مع بعض، فان من الحروف ما يتكرر ويكثر في الكلام استعماله، وهو: ا ل م ه وي ن، ومنها ما يكون تكراره دون ذلك، وهو: ر ع ف ت ب ك د س ق ح ج، ومنها ما يكون تكراره أقل من ذلك، وهو: ظ غ ط ز ث خ ض ش ص ذ. ومن الحروف ما لا يخلو منه أكثر الكلمات، حتى قالوا: ان كل كلمة ثلاثية فصاعدا لا يكون فيها حرف أو حرفان منها، فليست بعربية، وهي ستة أحرف: د ب م ن ل ف، ومنها ما لا يتركب بعضه مع بعض، إذا اجتمع في كلمة، إلا ان يقدم، ولا يجتمع، إذا تأخر، وهو : ع ه، فان العين إذا تقدمت تركبت، وإذا تأخرت لا تتركب، ومنها ما لا يتركب، إذا تقدم، ويتركب، إذا تأخر، وهو: ض ج، فان الضاد إذا تقدمت (1) تركبت، وإذا تأخرت لا تتركب في أصل العربية، ومنها مالا يتركب بعضه مع بعض لا إن تقدم ولا إن تأخر، وهو: س ث ض ز ظ ص، فاعلم ذلك.
وأما خواصها: فان لها أعمالا عظيمة تتعلق بأبواب جليلة من أنواع المعالجات ، وأوضاع الطلسمات، ولها نفع شريف بطبائعها، ولها خصوصية بالأفلاك المقدسة وملائمة لها، ومنافع لا يحصيها من يصفها، ليس هذا موضع ذكرها، لكنا لا بد ان نلوح بشئ من ذلك، ننبه على مقدار نعم الله تعالى على من كشف له سرها، وعلمه علمها، وأباح له التصرف بها. وهو أن منها ما هو حار يابس طبع النار، وهو:
الألف والهاء والطاء والميم والفاء والشين والذال، وله خصوصية بالمثلثة النارية، ومنها ما هو بارد يابس طبع التراب، وهو: الباء والواو والياء والنون والصاد والتاء والضاد، وله خصوصية بالمثلثة الترابية، ومنها ما هو حار رطب طبع الهواء، وهو: الجيم والزاي والكاف والسين والقاف والثاء والظاء، وله