ما تضمنت الأحاديث المودعة فيهما من تفسير وتأويل، وزادا عليه فصارا أحق به وأملك له، ولعل الشئ بعد الشئ منها قد يفوتهما.
قال الخطابي: وأما كتابنا هذا فإني ذكرت فيه ما لم يرد في كتابيهما، فصرفت إلى جمعه عنايتي، ولم أزل أتتبع مظانها وألتقط آحادها، حتى اجتمع منها ما أحب الله أن يوفق له، واتسق الكتاب فصار كنحو من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه.
قال: وبلغني أن أبي عبيد مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث والأثر، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أنف، والحوض ملآن. ثم قد غادر الكثير منه لمن بعده. ثم سعى له أبو محمد سعي الجواد، فأسأر القدر الذي جمعناه في كتابنا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذوات عدد لم أتيسر لتفسيرها تركتها ليفتحها الله على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشئ علم. قال الله تعالى وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم.
قلت: لقد أحسن الخطابي رحمة الله عليه وأنصف، عرف الحق فقاله، وتحرى الصدق فنطق به، فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمهات الكتب، وهي الدائرة في أيدي الناس والتي يعول عليها علماء الأمصار، إلا أنها وغيرها من الكتب المصنفة التي ذكرناها أو لم نذكرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتبا ومقفى يرجع الانسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي، وهو على طوله وعسر ترتيبه لا يوجد الحديث فيه إلا بعد تعب وعناء، ولا خفاء لما في ذلك من المشقة والنصب مع كون الحديث المطلوب لا يعرف في أي واحد من الكتب هو، فيحتاج طالب غريب حديث إلى اعتبار جميع الكتب أو أكثرها حتى يجد غرضه من بعضها. فلما كان زمن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب الإمام أبي منصور الأزهري اللغوي، وكان في زمن الخطابي وبعده وفي طبقته، صنف كتابه المشهور السئر في الجمع بين غريبي القرآن العزيز والحديث، ورتبه مقفى على حروف المعجم على وضع لم يسبق في غريب القرآن والحديث إليه. فاستخرج الكلمات اللغوية الغريبة من أماكنها وأثبتها في حروفها وذكر معانيها، إذ كان الغرض والمقصد من هذا التصنيف معرفة الكلمة الغريبة لغة وإعرابا ومعنى، لا معرفة متون الأحاديث والأحاديث والآثار وطرق أسانيدها وأسماء رواتها، فإن ذلك علم مستقبل بنفسه مشهور بين أهله.