ثم صنف الناس غير من ذكرنا في هذا الفن تصانيف كثيرة، منهم شمر بن حمدويه، وأبو العباس أحمد بن يحي اللغوي المعروف بثعلب. وأبو العباس محمد بن يزيد الثمالي المعروف بالمبرد.
وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد بن الحسن الكندي. وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب. وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث.
ولم يخل زمان وعصر ممن جمع في هذا الفن شيئا وانفرد فيه بتأليف، واستبد فيه بتصنيف.
واستمرت الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن أحمد الخطابي البستي رحمه الله، وكان بعد الثلثمائة والستين وقبلها، فألف كتابه المشهور في غريب الحديث، سلك فيه نهج أبي عبيد وابن قتيبة، واقتفى هديهما، وقال في مقدمة كتابه - بعد أن ذكر كتابيهما وأثنى عليهما -: (وبقيت بعدهما صبابة للقول فيها متبرض توليت جمعها وتفسيرها، مسترسلا بحسن هدايتهما وفضل إرشادهما، بعد أن مضى علي زمان وأنا أحسب أنه لم يبق في هذا الباب لأحد متكلم، وأن الأول لم يترك للآخر شيئا وأتكل على قول ابن قتيبة في خطبة كتابه: إنه لم يبق لأحد في غريب الحديث مقال).
وقال الخطابي أيضا بعد أن ذكر جماعة من مصنفي الغريب وأثنى عليهم: (إلا أن هذه الكتب على كثرة عددها إذا حصلت كان مآلها كالكتاب الواحد. إذ كان مصنفوها إنما سبيلهم فيها أن يتوالوا على الحديث الواحد فيعتوروه فيما بينهم، ثم يتباروا في تفسيره ويدخل بعضهم على بعض، ولم يكن من شرط المسبوق أن يفرج للسابق عما أحرزه، وأن يقتضب الكلام في شئ لم يفسر قبله على شاكلة ابن قتيبة وصنيعه في كتابه الذي عقبه به كتاب أبي عبيد، ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التي ذكرناها أن يكون شيئا منها على منهاج كتاب أبي عبيد في بيان اللفظ وصحة المعنى وجودة الاستنباط وكثرة الفقه، ولا أن يكون من جنس كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحجة وذكر النظائر وتخليص المعاني، وإنما هي أو عامتها إذا تقسمت وقعت بين مقصر لا يورد في كتابه إلا أطرافا وسواقط من الحديث، ثم لا يوفيها حقها من إشباع التفسير وإيضاح المعنى، وبين مطيل يسرد الأحاديث المشهورة التي لا يكاد يشكل منها شئ، ثم يتكلف تفسيرها ويطنب فيها. وفي الكتابين غنى ومندوحة عن كل كتاب ذكرناه قبل، إذ كانا قد أتيا على جماع