المحمول عليها، أخرج به من هوامد الأرض النبات، ومن زعر (1) الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها، وتزدهي بما ألبسته من ريط (2) أزاهيرها، وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها، وجعل ذلك بلاغا للأنام ورزقا للأنعام وخرق الفجاج في آفاقها، وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها.
فلما مهد أرضه وأنفذ أمره، اختار آدم (عليه السلام) خيرة من خلقه، وجعله أول جبلته، وأسكنه جنته وأرغد فيها أكله، وأوعز إليه فيما نهاه عنه، وأعلمه أن في الإقدام عليه التعرض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته، فأقدم على ما نهاه عنه - موافاة لسابق علمه - فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضه، مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع رسالاته، قرنا فقرنا حتى تمت بنبينا محمد (صلى الله عليه وآله) حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره.
وقدر الأرزاق فكثرها وقللها. وقسمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها.
ثم قرن بسعتها عقابيل (3) فاقتها، وبسلامتها طوارق آفاتها، وبفرج أفراحها غصص أتراحها.
وخلق الآجال فأطالها وقصرها، وقدمها وأخرها، ووصل بالموت أسبابها،