وجعله خالجا (1) لأشطانها (2) وقاطعا لمرائر أقرانها. عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، وخواطر رجم الظنون، وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمنته أكنان القلوب وغيابات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع، ومصائف الذر ومشاتي الهوام، ورجع الحنين من المولهات وهمس الأقدام، ومنفسح الثمرة من ولائج غلف الأكمام، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها. ومختبأ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها، ومغرز الأوراق من الأفنان، ومحط الأمشاج من مسارب الأصلاب، وناشئة الغيوم ومتلاحمها. ودرور قطر السحاب في متراكمها، وما تسفي الأعاصير بذيولها، وتعفو الأمطار بسيولها، وعوم بنات الأرض في كثبان الرمال، ومستقر ذوات الأجنحة بذرا شناخيب الجبال، وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار، وما أوعبته الأصداف، وحضنت عليه أمواج البحار، وما غشيته سدفة (3) ليل أو ذر عليه شارق نهار، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير وسبحات النور، وأثر كل خطوة، وحس كل حركة، ورجع كل كلمة، وتحريك كل شفة، ومستقر كل نسمة، ومثقال كل ذرة، وهماهم كل نفس هامة، وما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرارة نطفة، أو نقاعة دم ومضغة، أو ناشئة خلق وسلالة، لم يلحقه في ذلك كلفة، ولا اعترضته في حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة، ولا اعتورته في تنفيذ الامور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة، بل
(١٧٣)