موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ١٠ - الصفحة ١٧٣
وجعله خالجا (1) لأشطانها (2) وقاطعا لمرائر أقرانها. عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، وخواطر رجم الظنون، وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمنته أكنان القلوب وغيابات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع، ومصائف الذر ومشاتي الهوام، ورجع الحنين من المولهات وهمس الأقدام، ومنفسح الثمرة من ولائج غلف الأكمام، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها. ومختبأ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها، ومغرز الأوراق من الأفنان، ومحط الأمشاج من مسارب الأصلاب، وناشئة الغيوم ومتلاحمها. ودرور قطر السحاب في متراكمها، وما تسفي الأعاصير بذيولها، وتعفو الأمطار بسيولها، وعوم بنات الأرض في كثبان الرمال، ومستقر ذوات الأجنحة بذرا شناخيب الجبال، وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار، وما أوعبته الأصداف، وحضنت عليه أمواج البحار، وما غشيته سدفة (3) ليل أو ذر عليه شارق نهار، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير وسبحات النور، وأثر كل خطوة، وحس كل حركة، ورجع كل كلمة، وتحريك كل شفة، ومستقر كل نسمة، ومثقال كل ذرة، وهماهم كل نفس هامة، وما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرارة نطفة، أو نقاعة دم ومضغة، أو ناشئة خلق وسلالة، لم يلحقه في ذلك كلفة، ولا اعترضته في حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة، ولا اعتورته في تنفيذ الامور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة، بل

(١) الخالج: المسرع في الأخذ (النهاية: ٢ / ٤٧٥).
(٢) الشطن: الحبل وقيل: هو الطويل منه، وإنما شده بشطنين لقوته وشدته. فاستعار الأشطان للحياة لامتدادها وطولها (النهاية: ٢ / ٤٧٥).
(٣) السدفة: من الأضداد تقع على الضياء والظلمة، ومنهم من يجعلها اختلاط الضوء والظلمة معا، لوقت ما بين طلوع الفجر والإسفار (النهاية: ٢ / 354).
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست