خرج حاجا سنة 75 " (1).
أجل، هذه هي الإصلاحات التي يكون ثمنها فساد المصلح. والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن على استعداد أن يصلح المجتمع بهذه الطريقة، فعلي لا يستطيع أن يميل إلى نهج يحل مشكلة الحكم من خلال التضحية بالقيم الإنسانية. ولو حصل ذلك لن تكون عندئذ ثم حاجة إلى بعث الأنبياء وإلى القادة الإلهيين، ومن ثم ليس هناك حاجة إلى قيادة علي (عليه السلام) بالأساس، بل لن يكون للحكم العلوي من معنى، إنما يغدو شعارا بلا مفهوم؛ لأن في وسع الجميع ممارسة الحكم بهذه الطريقة، كما تم ذلك فعلا، حيث مارسوا الحكم قرونا باسم الإسلام.
وأما الحكم العلوي فإن الأصالة فيه للقيم، وعلى هذا لم يكن الإمام علي (عليه السلام) على استعداد للتضحية بالقيم الإنسانية والإسلامية مهما كان الثمن. وإن الحكم الذي يجعل القيم فداء لمصالح الحكم والحاكمين هو حكم أموي، وليس علويا ولا إسلاميا وإن توارى خلف اسم علي والإسلام!
بديهي لم يعد لسياسة القوة ولغة السيف وقع ولا تأثير يذكر في العالم المعاصر. فقد راحت الأدوات العسكرية تفقد فاعليتها بالتدريج، واكتشف الحكام والساسة وسائل جديدة لممارسة السلطة على أساس النهج الأموي؛ فالوسائل صارت أكثر تعقيدا مما كانت عليه في الماضي، وأفدح خطرا في هتك القيم الإنسانية ووأدها، ومن بين ذلك برز برنامج " الإصلاح الاقتصادي " الذي يضحي بالعدالة الاجتماعية، ويأتي تطبيقه على أساس تدمير الطبقات الضعيفة في الهرم الاجتماعي والقضاء عليها.