والإحباط والتعب من الحرب، ومن ثم عدم طاعة الإمام والانقياد له، يفوق ما كان لشبهة قتال أهل القبلة.
لقد اعتاد المقاتلون الحصول على غنائم وافرة في العهود التي سبقت عهد الإمام، من خلال حروب الكفار، وبالأخص حروب فارس والروم. أما الآن فقد راح الإمام (عليه السلام) يدعوهم منذ أوائل أيام حكمه - ولأول مرة - إلى حرب لا غنيمة من ورائها، أو أن يكون نصيبهم منها ضئيلا لا قيمة له. وهذا ما لم يألفه الناس قبل ذلك، ومن ثم لم يكونوا على استعداد لقبوله كما يبدو.
لقد كان اقتران الحرب بالغنيمة أمرا ذا مغزى للجمهور الذي يعيش في ذلك العصر. وعندما ننظر إلى القاعدة الشعبية التي رافقت الإمام (عليه السلام) في حروبه وشهرت السيف معه ضد أصحاب الفتنة، نجدها في الغالب غير متحلية بالبصيرة، ولا ملتمسة منار الحق، بحيث يكون الحق هو هدفها في إشهار السيف، ورضا الله هو الغاية القصوى التي تتمناها من القتال، بل كان الجم الغفير من هؤلاء يفكر بمنافعه الشخصية قبل أن يفكر بالحق ومصلحة الدين.
فمن بين الاعتراضات التي طالما كررها جند الإمام في حربي الجمل والنهروان، هو: لماذا لا يسلبون نساء القوم ويتخذونهن سبايا وأسارى؟ ولماذا لا توزع عليهم أموالهم؟
قال ابن أبي الحديد بهذا الصدد: " اتفقت الرواة كلها على أنه (عليه السلام) قبض ما وجد في عسكر الجمل؛ من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض، فقسمه بين أصحابه، وأنهم قالوا له: اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا، فقال: لا. فقالوا:
فكيف تحل لنا دماءهم وتحرم علينا سبيهم؟! " (1).