لقد تلاقحت عوامل الملالة والتعب والإحباط التي عاشها الجند بعد سنتين من ممارسة القتال بدون غنائم وعوائد مادية، مع التبعات السلبية لشبهة عدم شرعية قتال أهل القبلة؛ حتى إذا ضمت هذه إلى تلك، ثم التقت الحصيلة مع العناصر الأساسية للتخاذل، صار من الطبيعي أن تجر الحالة إلى عدم انقياد هؤلاء وعصيانهم، بحيث راح الإمام يواجه مشكلة حقيقية جادة في استنفار القوات وتعبئتها أواخر عهد حكمه.
ج: فقد الأخلة وخلص الأعوان تتمثل إحدى العوامل الأخر التي ساهمت في غربة الإمام وبقائه وحيدا أواخر عهده في الحكم بغياب أبرز الخلان، وفقدان الشخصيات الكبيرة التي كان لكل منها أثره المباشر في توجيه جيشه. لقد كان هؤلاء لسانا ناطقا، تلهب كلماتهم النفوس، وتثبت القلوب في الأزمات، وتثير خطبهم الحماس في سوح القتال، ولهم تأثير بليغ على الناس.
هذه هي سوح القتال ومضامير الحياة وقد خلت من عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، وهاشم بن عتبة، كما لم يعد فيها أثر يذكر لمحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن بديل، وزيد بن صوحان، حتى يلهبوا بكلماتهم المضيئة حماس الناس، ويثيروا فيهم العزائم.
وها هو الإمام يومئ إلى تلك الأطواد الشامخة بالبصيرة، المتوهجة بالنور، وسط ساحة عنود يمتنع فيها الأصحاب، وينأون عن نصرته بهذه الذريعة وتلك، ويتحدث عن رهبان الليل، وليوث الوغى إذا حمي الوطيس، والسابقين في مضمار الإيمان والعمل، فيقول: " أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها،