لم تلبث الأمة بعد استشهاد الإمام إلا أربعة وثلاثين عاما حتى تحققت نبوءته فيها. ففي عهد خلافة عبد الملك بن مروان خرجت على الحكومة المركزية من جهة الأهواز جماعة من الخوارج يطلق عليها الأزارقة، ولم تكن ثم منطقة يمكن أن يبعث منها جند لمواجهة هؤلاء غير الكوفة، لكن أهل الكوفة لم يذعنوا لذلك، ولم يستجيبوا لرغبة الحكم، ولم يعبؤوا به.
بادر عبد الملك إلى عقد مجلس ضم الخواص والمقربين لمعالجة المشكلة وتدبر الحل، فاستنهضهم ضمن خطاب حماسي، قائلا: " فمن ينتدب لهم منكم بسيف قاطع، وسنان لامع! "، فخيم الصمت على الجميع، ولم ينبس أحدهم، إلا الحجاج بن يوسف - الذي كان قد انتهى لتوه من مهمة في مكة قضى فيها على حركة عبد الله بن الزبير - فنهض من مكانه وأبدى استعداده للمهمة. بيد أن عبد الملك لم يرض، وطلب منه الجلوس.
وفي إطار حديثه عن كيفية إرسال الجند إلى الأهواز توجه عبد الملك مجددا إلى القوم طالبا من الحضور أن يذكروا له أكفأ الرجال أميرا على العراق، ومن يكون قائدا للجيش الذي سيقود المعركة مع الأزارقة، وهو يقول: ويلكم! من للعراق؟ فصمتوا، وقام الحجاج ثانية، وقال: أنا لها.
الطريف في الأمر أن عبد الملك التفت هذه المرة إلى الحجاج مستوضحا عن الوسيلة التي يلجأ إليها في دفع الناس لطاعته، حيث سأله نصا: إن لكل أمير آلة وقلائد، فما آلتك وقلائدك؟
أوضح الحجاج لعبد الملك أنه سيلجأ إلى القوة واستعمال السيف لإجبار الناس على الطاعة، وأنه لن يوفر جهدا في استغلال سياسة التهديد والترغيب