الكفاءة القيادية للإمام في وحدته آخر وأهم نقطة تجدر بعنايتنا في بحث عوامل وحدة الإمام وتقصي جذور هذه الحالة، هي القدرة القيادية والكفاءة الإدارية الفذة التي حظي بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه البرهة الحالكة، مما لم نر من تنبه إليها.
تكشف الوثائق التأريخية أن الإمام عليا (عليه السلام) أبدى في عهد غربته أسمى حالات الكفاءة القيادية، وأظهر من نفسه أجل معاني القدرة الإدارية وأرفعها؛ فحين نسجل أن عليا بقي وحيدا فليس معنى ذلك أن عناد الجند وعدم انقياده لطاعته اضطره إلى أن يكون حلس بيته، أو أنه افتقد في الأشهر الأخيرة من خلافته قدرته القيادية، وغابت عنه جدارته في إدارة المجتمع، بحيث راح يمضي وقته ببث شكواه، ولم يكن له شاغل حتى لحظة استشهاده غير تقريع الناس ولومهم على عدم دفاعهم عن نهجه الإصلاحي. كلا، بل هذه هي صفحات التأريخ تجهر عن واقع مغاير بالكامل، وهي تبدي الإمام وقد بذل جهوده القصوى في هذه المدة، وتظهره وقد بذل جهد طاقته في هذه الأيام إذا ما قيست ببقية أشواط حكمه.