لقد أدرك الناس من خلال القسوة التي أبداها الحجاج منذ اليوم الأول لعهده أنه جاد في تنفيذ سياسته، حازم في العمل بما يقول. وحيث كان ذاك فقد أمر في اليوم الثاني مناديه أن يطوف في سكك الكوفة وطرقها، وهو يقرأ على الناس:
" ألا إننا قد أجلنا من كان من أصحاب المهلب ثلاثا، فمن أصبناه بعد ذلك فعقوبته ضرب عنقه ".
لكي يضمن الحجاج تنفيذ أمره دعا حاجبه زياد بن عروة وصاحب شرطته؛ وأمرهما أن يطوفا في سكك المدينة وطرقها مع عدد من الجند؛ يشرفان على خروج الناس إلى القتال، ومن أبى أو تأخر عن النفير ضربت عنقه.
هكذا التحق بالمهلب بن أبي صفرة قائد الجيش الذي خرج لحرب الأزارقة جميع من كان معه بادئ الأمر، وعادوا إليه بعد أن كانوا تركوه وحيدا، دون أن يتخلف أحد (1).
لقد استطاع عبد الملك بن مروان إسكات جميع المعارضين والقضاء على الخارجين عليه من خلال الاتكاء إلى سياسة البطش والإرهاب هذه، وإجرائها في جميع أمصار العالم الإسلامي، حتى بلغ من أمره أنه خرج إلى مكة حاجا سنة (75) وهو مطمئن البال. قال اليعقوبي بهذا الشأن: " ولما استقامت الأمور لعبد الملك، وصلحت البلدان، ولم تبق ناحية تحتاج إلى صلاحها والاهتمام بها،