للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك على الحق إذ عموا به، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، وصارت صنائع معاوية عند أهل الغنى والشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقل من الناس من ليس للدنيا بصاحب، وأكثرهم من يجتوي الحق، ويستمري الباطل، ويؤثر الدنيا. فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الناس، وتصف نصيحتهم، وتستخلص ودهم. صنع الله لك يا أمير المؤمنين، وكبت عدوك، وفض جمعهم، وأوهن كيدهم، وشتت أمورهم، إنه بما يعملون خبير.
فأجابه علي (عليه السلام)، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل، فإن الله يقول: ﴿من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلم للعبيد﴾ (١) وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف.
وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور، ولم يدعوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها، وليسألن يوم القيامة: أللدنيا أرادوا أم لله عملوا؟
وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال، فإنا لا يسعنا أن نؤتي أمرء من الفيء أكثر من حقه، وقد قال الله وقوله الحق: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين﴾ (2).
وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) وحده فكثره بعد القلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه (3). وأنا قابل من رأيك ما كان لله