التالي: " ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتباع الهوى، وطول الأمل "، ثم أوضح أن الفتن السياسية التي دفعت المجتمع الإسلامي إلى الفرقة والاختلاف، وأدت به إلى الانقسام والتوزع إلى ولاءات وخطوط مختلفة، إنما تكمن جذورها في المفاسد الأخلاقية، والأثرة، وضروب البدع والأهواء. وفي هذا يفيد النص العلوي: " إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع يخالف فيها حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ".
وهكذا تتبدل الأهواء والأنانيات إلى بدع ضد الدين، لكنها متلبسة بدثار الدين. ثم تنشأ في هذا الاتجاه البؤر المتعصبة، والتجمعات العمياء، وتتبدل الفتنة الأخلاقية إلى فتنة ثقافية، ثم إلى فتنة سياسية واجتماعية، حيث يسعى أصحاب الفتنة إلى تسويغ مقاصدهم من خلال استغلال نصاعة الحق.
يقول (عليه السلام): " ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ".
ثم يواصل أمير المؤمنين استعراضه الموقف. فبعد مرور جيل تستحكم البدعة، وترسخ مواقعها بدلا من السنة بحيث صار يستعصي عمليا معرفة السنة مجددا. وفي هذا المضمار يستعين الإمام بحديث من السنة النبوية - حيث كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تنبأ بشيوع مثل هذه الأجواء وسط المجتمع الإسلامي - وهو يقول: " إني سمعت رسول الله يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها، ويتخذونها سنة، فإذا غير منها شيء قيل:
قد غيرت السنة ".
في فضاء ثقافي مثل هذا تتعذر الإصلاحات الجذرية، وتستعصي عمليا عملية العودة إلى السنة النبوية.