وجندا بهم يصول على الناس ".
وبعد أن انتهى الإمام من بيان عدد من المقدمات الضرورية في هذا المجال، انعطف إلى بحث أخلاقي سياسي مهم، وهو يتحدث عن الامتحانات الإلهية الصعبة ودورها في تربية الإنسانية، فقد أكد أن فلسفة ما يلاقيه الإنسان من ضروب المحن والمصائب وما يعانيه من مشاق الحياة، هي عين حكمة الصلاة والصوم والزكاة، حيث أنها تهدف أيضا إلى بناء الإنسان معنويا، وتزكيته من الرذائل الخلقية، بالأخص الأثرة والكبر والغرور.
ثم دعا الناس أن يعتبروا بمصير النهضات الدينية التي سبقت الإسلام، وما آلت إليه من انكسار إثر الفرقة والاختلاف، فحذرهم أن لا يجر كبر الخواص وعلوهم واتباع العوام الحكومة الإسلامية إلى مصير مماثل لما انتهت إليه النهضات السابقة.
وعند هذه النقطة راح الإمام يدق أجراس الخطر بصراحة، وهو يتم الحجة على الخواص والعوام معا، بقوله لهم: " ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم، بأحكام الجاهلية... واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعرابا، وبعد الموالاة أحزابا؛ ما تتعلقون من الإسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه... ألا وإنكم قد قطعتم قيد الإسلام، وعطلتم حدوده، وأمتم أحكامه " (1).