ب: لو أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد فكر بطرح الشورى كخيار للمستقبل، ولو أنه أراد إسناد المرجعية الفكرية للرسالة والقيادة السياسية للأمة إلى جيل الصحابة، لتحتم أن يعبئ هذا الجيل تعبئة فكرية ورسالية مكثفة لكي يعده للمهمة التي تنتظره، بالأخص إذا لاحظنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد بشر بسقوط تيجان كسرى وقيصر، وانهيار الإمبراطوريتين: الفارسية والرومية، وأن رسالته ستمتد في الزمان والمكان من دون أن تعرف الحواجز والحدود.
فهل كان الصحابة على مستوى من الدراية والعلم يؤهلهم للنهوض بهذه المسؤولية الكبيرة؟
ما هي الحقيقة؟ وهل يمكن أن نتصور الصحابة على مستوى النهوض بهذه المسؤولية؟ هذا سؤال خطير لاح لكثيرين، ولا يمكن تجاوزه ببساطة؛ لأن الإغضاء عنه ينم عن ضرب من السذاجة واللامبالاة في الأصول العقيدية.
لقد كان الباحث مروان خليفات وواحدا من الذين لاح لهم هذا السؤال، فدفعه إلى البحث والتأمل. ثم أثمرت جولته التي دفعته إلى النصوص الحديثية والتاريخية، وأسفرت عن نتيجة مهمة جدا جديرة بالقراءة، حيث خصص لها الفصل الثالث من الباب الثاني من كتابه. وهذه خلاصة مكثفة لما انتهى إليه:
* الصحابة يقلون السؤال، ولا يروون إلا قليلا مما سمعوه.
* وقد بذلوا جهدهم في منع تدوين الحديث، والحؤول دون انتشاره.
بالإضافة إلى أنهم لم يتلقوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا حقائق قليلة، لانشغالاتهم الكثيرة؛ حيث صرحوا بأنفسهم أنه كان يلهيهم الصفق بالأسواق وغيره من الأشغال، ويحول بينهم وبين حقائق السنة (1).