وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره.
ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما؛ أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.
ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله)، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وإنك لعلى خير " (1).
إن الأحاديث النبوية التي تصرح بإمامة علي بن أبي طالب وولايته، هي من الشمول والكثرة بحيث لا تدع مجالا للاسترابة والشك. فنبي الله لم يصدع ب " حق الخلافة " للإمام ول " خلافة الحق " هذه مرة واحدة أو مرتين، بل فعل ذلك عشرات المرات بالإشارة وبالصراحة، وحدد مشروعا واضحا لمستقبل الأمة وغد الرسالة، على مرأى من المسلمين جميعا.
لقد امتدت عملية إعلان هذا الحق العلوي والإجهار به ونشره إلى أبعد مدى، لتستوعب من حياة النبي جميع سني عمره في تبليغ الرسالة، حتى بلغت في واقعة الغدير ذروتها القصوى، واستقرت على قمتها الشاهقة.