المكيدة، وراحوا ينسجون المؤامرة تلو الأخرى مكرا بهذا الدين. وهذا واقع معروف لا يستريب به من له أدنى معرفة بالتاريخ الإسلامي.
أفيجوز بعد هذه المواجهات الحادة والصراع المرير مع اليهود والقبائل المشركة وبقية القوى المعادية (1)، أن يجنح بنا الخيال فنتصور بأن هؤلاء ركنوا إلى الهدوء، وجنحوا إلى السلم، ولم يعد لهم شأن بالإسلام ودعوته؟! وهل يصح لسياسي فطن، ولقائد كيس وبصير أن يغضي عن كل هذا الواقع العدائي المتشابك من حول دعوته، ثم يمضي من دون أن يدبر لحركته الفتية برنامجا يصونها ويؤمن لها المستقبل؟ ثم هل يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائدا خاض جميع هذه المواجهات، ثم يتصور أن أمته امتلكت من الصلابة ما يحصنها من جميع هذه المكائد والأخطار، بحيث لم يعد يخشى عليها من أحابيل هؤلاء، وإن مكر هؤلاء وقوتهم قد تلاشت ولم تعد تؤلف خطرا ذا بال؟!
2 - السلبية إزاء المستقبل العنصر الثاني الذي يمكن أن يوجه الفرضية الأولى ويقدم لها تفسيرا منطقيا، هي أن نفترض أن النبي القائد يدرك الأخطار التي تحف دعوته، ويتطلع إلى أهمية المستقبل بنحو جيد، لكنه مع ذلك لا يحاول تحصين الدعوة ضد تلك الأخطار، لأنه يرى أن رسالته تنتهي بحياته، وهو يتحمل مسؤوليتها ما دام حيا، فإذا لم يعد بين الناس، ولم يكن ثم خطر يتهدد حياته، وإن ما يمكن أن تتعرض له الدعوة من بعده لا يتعارض مع مصالحه الشخصية - وحاشاه - فلماذا يبادر لحمايتها وتأمين مستقبلها؟ بل ليدعها والأمة التي ترتبط بها بانتظار المصير