ولقد كان المنصور - نفسه - يجعل الصادق حجة من حججه، وإذا فأخر أهل البيت فاخرهم به!
كتب إليه محمد بن عبد الله (النفس الزكية) يدعوه ليبايعه، وعيره بأمهات العباسيين لأنهن أمهات ولد. وأم المنصور بربرية تدعى سلامة، يتردد اسمها على ألسنة الذين فاخروه. فتولى المنصور كبره في الرد على محمد. ولم يدع الفرصة تفوته ليستفيد حجة من مكانة الإمام الصادق. قال فيما قال (وما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي بن الحسين زين العابدين. وهو لأم ولد. ولهو خير من جدك حسن ابن حسن. وما كان فيكم بعده مثل محمد بن علي الباقر وجدته أم ولد، ولهو خير من أبيك. ولا مثل ابنه جعفر. وجدته أم ولد، وهو خير منك).
وغض المنصور طرفه عن أن أم الولد في شجرة الباقر " شاه زنان " بنت كسرى ملك الفرس. وأين منها - بعد إذ أسلمت - سلامة!
على أن اللقاءات - أو الاحتكاكات - بين الرجلين لا تتوقف.
فهذان قطبان. لكل منهما عالمه. وهما ضدان لهما مستويان. والشرف فيهما لرجل الدين والزهد والعلم.
والملوك أحوج إلى العلماء من العلماء إلى الملوك.
وأبو جعفر حريص غدر، يسلط على الصادق من وقت لآخر، وفي مكان بعد آخر، وجوها من التهديد لشخصه والاتهام لولائه والإزراء بعلمه.
يقول له ذات يوم في لقاء له بالكوفة: أنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وفسادك على أهل البيت من بنى العباس. وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد، وما تبلغ به ما تقدره. - فيجيبه الصادق: (والله ما فعلت شيئا من ذلك. ولقد كنت في ولاية بنى أمية - وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم، وأنه لا حق لهم في هذا الأمر - فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عنى شئ مع جفائهم الذي كان لي. وكيف أصنع هذا الآن. وأنت ابن عمى. وأمس الخلق بي رحما. وأكثر عطاء وبرا فكيف أفعال هذا)!