فهذا العلم دين. والمجلس العلمي كمجالس العابدين. والشيخان، وإن خالفتهما نظريات الشيعة، محل إجلال المسلمين.
وكمثل الشيخين في حفظ الكرامة. عثمان بن عفان. وهم جميعا - كعلى بن أبي طالب - أصحاب بل أصهار لصحاب الشريعة. وتعليم الشريعة أول أعمال الإمام. والإمام سيد عصره. لا تسقط من حضار مجلسه كلمة نابية.
بهذه النزاهة الفعلية والفكرية، وبالإخلاص للمعرفة. والتزام قيم الإسلام، استعمل الإمام الصادق " العقل " أصلا من الأصول، إلى جوار القرآن والسنة والإجماع.
* * * والنص على العقل واستعماله مستمد من القران الذي طالما خاطب فطرة البشر " لتعتبر " بما تدركه الحواس من آيات الله، وتتدبرها، وتستصحبها، لترى آلاءه على عباده. وتشهد تقديره وتدبيره. فتقنعهم بوجوده ووحدانيته وقدرته، فتصبح الدليل ما بعده دليل (1).
وكما استعمل " الصادق " العقل، استعمل الحرية، التي منحها القرآن للإنسان: لا يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين، ولا يستعمل في جدالهم إلا التي هي أحسن. ولا في وعظهم إلا الموعظة الحسنة. حتى ثبوت الألوهية لا يرضاه الله بإكراه.
والعقل لا يعمل إلا حرا. وإذا أكره تعطل أو انحرف. والجدال بعنف تعسف. و للعقل كرامة. والكرامة هي الحرية.
والاعتبار بالآثار والأشياء المحيطة بالناس، بالمشاهدة والاستخلاص، ثم الحرية والأمانة في التفكير والتقدير. أي النزاهة الفكرية. هما صميم المنهج.
وهو لا يتجلى في الدلالة على الله جل ثناؤه.
إليك مثلا من زنديق تحداه بقوله: كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟ - قال الصادق: (رأته القلوب بنور الإيمان. وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان. وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف. ثم الرسل وآياتها. والكتب ومحكماتها. واقتصر العلماء على ما رأوه من عظمته دون رؤيته).