صلاح الصالحين من الأمم، وبهذا تحقق أن الصلاح المضاف إلى الأنبياء غير الصلاح المضاف إلى الأمم، فصلاح الأنبياء صلاح كامل لأنه يزول بهم كل فساد، فلهم كل صلاح ومن دونهم الأمثل فالأمثل، فكل واحد يستحق اسم الصلاح على قدر ما زال به أو منه من الفساد، واقتصر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم على وصفه صلى الله عليه وسلم بالصلاح وتواردوا على ذلك لأن الصلاح يشمل خصال الخير، ولذلك كررها كل منهم عند وصفه.
والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، فمن ثم كانت كلمة جامعة مانعة شاملة لسائر الخصال المحمودة ولم يقل له أحد: مرحبا بالنبي الصادق ولا بالنبي الأمين لما ذكرنا من أن الصلاح شامل لسائر أنواع الخير.
التنبيه الأربعون: إنما رأى أكلة الربا منتفخة بطونهم لأن العقوبة مشاكلة للذنب، فآكل الربا يربو بطنه كما أراد أن يربو ماله بأكل ما حرم عليه فمحقت البركة من ماله وجعلت نفخا في بطنه حتى يقوم (كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس). وإنما جعلوا بطريق آل فرعون يمرون عليهم غدوا وعشيا، لأن آل فرعون هم أشد الناس عذابا فضلا عن غيرهم من الكفار، وهم لا يستطيعون القيام. ومعنى كونهم في طريق جهنم بحيث يمر بالكفار عليهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوقف أمرهم بين أن ينتهوا فيكون خيرا لهم وبين أن يعودوا ويصروا فيدخلهم النار، وهذه صفة من هو في طريق النار، قال الله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة: 257) وفي بعض الأحاديث أنه رأى بطونهم كالبيوت يعني أكلة الربا، وفيها حياة ترى من خارج البطون.
التنبيه الحادي والأربعون: فإن قيل: هذه الأحوال التي ذكرها عن أكلة الربا، إن كانت عبارة عن حالهم في الآخرة، فآل فرعون قد أدخلوا أشد العذاب وإنما يعرضون على النار غدوا وعشيا في البرزخ، وإن كانت الحال التي رآهم عليها فأي بطون لهم وقد صاروا عظاما ورفاتا ومزقوا كل ممزق؟ فالجواب أنه إنما رآهم عليها فأي بطون لهم وقد صاروا عظاما ورفاتا ومزقوا كل ممزق؟ فالجواب أنه إنما رآهم في البرزخ، وهذه الحال هي حال أرواحهم بعد الموت. وفيها تصحيح لمن قال: الأرواح أجساد لطيف قابلة للنعيم والعذاب، فخلق الله تعالى في تلك الأرواح من الآلام ما يجده من انتفخ بطنه حتى وطئ بالأقدام ولا يستطيع معه قياما. وليس في هذا دليل على أنهم أشد عذابا من آل فرعون، ولكن فيه دليل على أنه يطؤهم آل فرعون وغيرهم من الكفار الذين لم يأكلوا الربا، ما داموا في البرزخ إلى أن يقوموا يوم القيامة كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم ينادي منادي الله تعالى (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) (غافر: 46). وكذلك ما رأى من النساء المعلقات