العاقبة وبالضد من ذلك. والفأل في اليقظة نظير الرؤيا في المنام. وأهل التعبير يقولون من رأى نبيا من الأنبياء بعينه في المنام فإن رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبي من شدة أو رخاء أو غير ذلك من الأمور التي أخبر بها عن الأنبياء في القرآن والحديث.
قال ابن أبي جمرة: (الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الاباء فهو أصل فكان الأول في الأولى، ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة) وقال السهيلي رحمه الله:
(فآدم وقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما لقيه في الوطن، ثم كان لكل منهما أن يرجع إلى وطنه الذي خرج منه).
وقال ابن دحية: (إن في ذلك تنبيها على أنه يقوم مقامه في مبدأ الهجرة لان مقام آدم التهيئة والنشأة وعمارة الدنيا بأولاده، وكذا كان مقام المصطفى أول سنة من الهجرة مقام تنشئة الاسلام وتربية أهله واتخاذ الأنصار لعمارة الأرض كلها بهذا الدين الذي أظهره الله على الدين كله، وزوى الأرض لنبيه حتى أراه مشارقها ومغاربها، فقال صلى الله عليه وسلم: (وليبلغن ملك أمتي ما زوي لي منها). واتفق ذلك في زمن هشام بن عبد الملك حتى جئ إليه خراج الأرض شرقا وغربا، وكان إذا نشأت سحابة يقول: (أمطري حيث شئت فسيصل إلي خراجك).
ثم رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى وهما الممتحنان باليهود. أما عيسى فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله تعالى، وأما يحيى فقتلوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى المدينة صار إلى حالة ثانية من الامتحان. وكان محنته فيها باليهود (آذوه) وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله تعالى كما نجى عيسى منهم ثم سموه في الشاة، فلم تزل تلك الأكلة تعاده حتى قطعت أبهره (كما قال عند الموت).
وقال ابن أبي جمرة: لأنها أقرب الأنبياء عهدا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن دحية: كانت حالة عيسى ومقامه معالجة بني إسرائيل والصبر على معاداة اليهود وحيلهم ومكرهم، وطلب عيسى الانتصار عليهم بقوله: (من أنصاري إلى الله) أي مع الله؟ (قال الحواريون نحن أنصار الله) (يوسف: 92) فهذه كانت حالة نبينا صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، ففيها طلب الأنصار للخروج إلى بدر العظمى فأجابوا ونصروا، فلقاؤه لعيسى في السماء الثانية تنبيه على أنه سيلقى مثل حاله ومقامه في السنة الثانية من الهجرة.
وأما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء الثالثة فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حال يوسف بما جرى له مع إخوته الذين أخرجوه من بين أظهرهم ثم ظفر بهم فصفح عنهم وقال: (لا تشريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف: 92) وكذلك نبينا عليه