إنما رآهم في مواضعهم ومقارهم في الأرض، ولكنه يراهم من الجانب الأيمن فالتقييد للنظر لا للمنظور).
وفي قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أبوك آدم فسلم عليه) ما يقتضي أن القادم يبدأ بالسلام على المقيم.
التنبيه السابع والثلاثون: وقع في رواية شريك: (فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان - أي يجريان - النيل والفرات، ويجمع منصرفهما) - أي أصلهما. وظاهر هذا يخالف حديث مالك بن صعصعة فإن فيه بعد ذكر سدرة المنتهى: (فإذا أصلها أربعة)، فذكر منها النيل والفرات، ويجمع بينهما بأن أصل منبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما في السماء الدنيا ومنها ينزلان إلى الأرض.
التنبيه الثامن والثلاثون: وقع في رواية شريك أيضا: (ثم مضى النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر عليه قصور من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فيه فإذا طينه مسك أذفر فقال:
يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي خبا لك ربك، وهذا مما استشكل في رواية شريك، فإن الكوثر في الجنة وإن الجنة في السماء السابعة. وقد روى الإمام أحمد عن طريق حميد الطويل عن أنس، رفعة: (دخلت الجنة فإذا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي في مجرى مائه فإذا هو مسك أذفر). فقال جبريل: (هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى ". وأصل هذا الحديث عند البخاري بنحوه، وأخرجه في التفسير عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، ولكن ليس فيه ذكر الجنة. ورواه أبو داود من طريق سليمان التيمي عن قتادة ولفظه: " لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وسلم عرض له في الجنة نهر "، قال الحافظ: ويمكن أن يكون في هذا الموضوع شئ تقديره: ثم مضى به في السماء الدنيا إلى السماء (السابعة) فإذا هو بنهر، قال تلميذه الحافظ قطب الدين الخيضري في الخصائص: " وهذا بعيد إذ بينه وبين السماء السابعة خمس سماوات أخرى وكل منها له صفة خلاف صفة الأخرى ولها أبواب وخدام غير الأخرى، فإطلاق المسير إليها وذكرها منها له صفة خلاف صفة الأخرى ولها أبواب وخدام غير الأخرى، فإطلاق المسير إليها وذكرها بعد السادسة مما يبعده أيضا، ولكن يقال من غير استبعاد: إن أصل النهر - الذي هو الكوثر - في الجنة، وجعل الله تعالى منه فرعا في السماء الدنيا عجل لنبيه صلى الله عليه وسلم رؤيته استبشارا لأنها أول المراتب العلوية، ويؤيد هذا قول جبريل: " خبأ لك ربك ". انتهى.
التنبيه التاسع والثلاثون: في قول آدم: " مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح "، ثناء جميل جليل للنبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالصلاح مكررا مع النبوة، أي صالح مع النبيين جميعا، وفيه تنويه بفضيلة الصلاح وعلو درجته، ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم. قال بعضهم: وصلاح الأنبياء صلاح خاص لا يتناول عموم الصالحين. واحتج على ذلك بأنه قد تمين كثير من الأنبياء أن يلحق بالصالحين، ولا يتمنى الأعلى أن يلحق بالأدنى، ولا خلاف في أن النبوة أعلى من