بثديهن يجوز أن يكون رأى أرواحهن وقد خلق من الآلام ما يجده من هذه حاله، ويحتمل أيضا أن يكون مثلت له حالهن في الآخرة.
التنبيه الثاني والأربعون: ذكره لإدريس في السماء الرابعة مع قوله تعالى: (ورفعناه مكانا عليا) (مريم: 57)، مع أنه قد رأى موسى وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهما في مكان أعلى من مكان إدريس، فذلك - والله تعالى أع لم - لما ذكر عن كعب الأحبار أن إدريس خص من بين جميع الأنبياء بأنه رفع قبل وفاته إلى السماء الرابع، رفعه ملك كان صديقا له وهو الملك الموكل بالشمس. وكان إدريس سأله أن يريه الجنة فأذن له الله في ذلك، فلما كان في السماء الرابعة رآه هناك ملك الموت فعجب وقال: أمرت أن أقبض روح إدريس الساعة في السماء الرابعة فقبضه هنالك، فرفعه حيا إلى ذلك المكان العلي الذي خص به دون سائر الأنبياء، قاله السهيلي.
وتقدم الكلام في النسب النبوي على قوله: " مرحبا بالأخ الصالح ".
التنبيه الثالث والأربعون: قال العلماء: " لم يكن بكاء موسى حسدا، معاذ الله، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاهم الله تعالى، بل كان أسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم والمستلزمة لتنقيص أجره، لأن لكل نبي أجر من تبعه، ولهذا كان من اتبعه في العدد دون من اتبع نبيا صلى الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لمدة هذه الأمة.
وقال ابن أبي حمزة: " قد جعل الله تعالى في قلوب أنبيائه عليهم الصلاة والسلام الرحمة والرأفة لأمتهم، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم، فسئل عن بكائه فقال: " هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " (1). والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أخذوا من رحمة الله تعالى أوفر نصيب، فكانت الرحمة في قلوبهم لعباد الله أكثر من غيرهم. فلأجل ما كان لموسى عليه الصلاة والسلام من الرحمة واللطف بكى إذا ذاك رحمة منه لأمته لأن هذا وقت إفضال وجود وكرم.
فرجا لعله يكون وقت القبول والإفضال فيرحم الله تعالى أمته ببركة هذه الساعة. فإن قيل:
كيف يكون هذا وأمته لا تخلو من قسمين: قسم مات على الإيمان، قسم مات على الكفر فالذي مات على الإيمان لا بد له من دخول الجنة والذي مات على الكفر لا يدخل الجنة أبدا، فبكاؤه لأجل ما ذكرتم لا يسوغ إذ أن الحكم فيه قد مر ونفذ. قيل في الجواب: وكذلك قدر الله عز وجل قدره على قسمين، كما شاءت حكمته، فقدر قدرا أن ينفذ على كل الأحوال وقدر قدرا وقدر ألا ينفذ، ويكون وقوعه بسب دعاء أو صدقة أو غير ذلك ".