الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٩٦
وقيت بنفسي خير من وطئ الثرى * وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر وبت أراعي منهم ما يسوؤني * وقد صبرت نفسي على القتل والأسر وبات رسول الله في الغار آمنا * وما زال في حفظ الإله وفي السر (1) فهذا مما يشهد له بقوة جنانه، وثبات أركانه، وتبريزه على نظرائه (2) وأقرانه، من أبطال الحرب وشجعانه.
ومن كلام بعضهم: واعجباه! هذا فداه بنفسه من الكفار، وهذا ساواه بنفسه في الغار، وهذا آنسه في مسيره، وهذا بات على سريره، وهذا أنفق ماله عليه، وهذا بذل مهجته بين يديه، وكل (3) منهما سعيه مشكور، وفضله مشهور، وهو على صنيعه مثاب ومأجور (4).

(١) في (د): الستر.
(٢) في (أ): نظائره.
(٣) في (ب): فكل.
(٤) لا نريد التعليق على هذا الكلام الذي ينقله ابن الصباغ عن الغزالي " ومن كلام بعضهم... الخ " ولكن نسأل القائل ما وجه المقارنة هنا بين المساواة في الغار والأنسة في المسير وبين الفداء بنفسه والذي نزل بحقه (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغآء مرضات الله والله رءوف بالعباد) والتي أطبق المؤرخون على أنها نزلت في علي (عليه السلام)، وسبق وأن دللنا على ذلك بالمصادر التي ذكرناها سابقا كشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ١ / ١٢٣ ح ١٣٣ وما بعده، والثعلبي في الكشف والبيان: ١ / ١١٧، والرازي في تفسيره: ٢ / ١٥٢، وغيرهم كثير.
إذا أول من شرى نفسه لله عزوجل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ذكر أبو جعفر الإسكافي على ما رواه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة: ١ / ٧٨٩ ط الحديثة ببيروت قال: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) وأن الآية الثانية هي في ابن ملجم وهي قوله تعالى: (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغآء مرضات الله) فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاث مائة ألف فلم يقبل، فبذل أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك. فلاحظ بعض مخازي سمرة في الشرح المختار المذكور: ٧٩٢، فإذا كانت المقارنة من هذا الباب فلا عتب ولا استدلال. هذا أولا.
وثانيا: يقول صاحب كتاب مطالب السؤول نقلا عن الإحقاق: ٣ / ٤٥ بأنه (عليه السلام) بات في المضطجع والمشركون مجمعون على أخذه وقتله، ولم يضطرب لذلك قلبه ولا اكترث بهم... وأقام بمكة وحده بينهم ثلاث ليال بأيامها يرد الودائع... ثم خرج وحده من مكة مع شدة عداوتهم. فلو لم يكن الله تعالى قد خص قلبه بقوة وجنانه بثبات ونفسه بشهامة لاضطرب في هذا المقام. والنبي موسى (عليه السلام) مع درجة النبوة لكن لما أمره بإلقاء عصاه فألقاها فلما صارت حية خاف واضطرب وولى مدبرا كما قال تعالى:
(أقبل ولا تخف إنك من الأمنين) القصص: ٣١. فلم يمكنه أن يخالف الأمر، وكان عليه كساء فلف طرف الكساء على يده ليأخذها فقال: مالك يا موسى؟ أرأيت لو أذن الله تعالى لها في أذاك أراد عنك كساءك؟
فقال: لا، ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت، فالنفس البشرية هذا طبعها.
وكذلك أم موسى (عليه السلام) لولا أن ربط الله على قلبها فلم تنطق مع اضطراب القلب. فلولا أن الله تعالى منح عليا (عليه السلام) قلبا متصفا بالقوة الثابتة لكان مع امتثال أمر النبي (صلى الله عليه وآله) وأمنه من تطرق الأذى إليه لقول النبي (صلى الله عليه وآله) يضطرب بالنفس البشرية، وهذا لما حدث لغيره (إذ يقول لصحبه لا تحزن إن الله معنا) التوبة: ٤٠. فانظر المحاججة التي أقامها المأمون على فقهاء عصره بقصة ليلة المبيت في الإحقاق:
٣ / ١٨٩ وغيره من الكتب التي أشرنا إليها سابقا.
وثالثا: روى في المناقب لابن شهرآشوب: ٢ / ٥٨ وغيره عن مجاهد قال: فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: فأين أنت من علي بن أبي طالب حيث نام في مكانه، ويرى أنه يقتل؟ فسكتت ولم تحر جوابا. وشتان بين قوله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغآء مرضات الله) وبين قوله (لا تحزن إن الله معنا) وكان النبي معه يقوي قلبه، ولم يكن مع علي، وهو لم يصبه وجع وعلي يرمى بالحجارة، وهو مختف بالغار وعلي ظاهر للكفار.
وانظر المسترشد في إمامة أمير المؤمنين: ٤٣٣، الخصائص لابن البطريق: ٩٨، كشف اليقين: ٩٠، بحار الأنوار: ٣٨ / ٢٨٩، و: ٣٦ / ٤٨ و ٤٩، إعلام الورى: ١٩١، الطرائف: ٣٣، العمدة: ٣٤٠، دلائل الصدق: ٢ / ٥٣٨، الشافي للسيد المرتضى: ٤ / ٢٥، الغدير: ٢ / ٤٨، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ٤٠، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٣، الطرائف لابن طاووس: ٤٠٧، اختيار معرفة الرجال:
١
/ ١٣٠، كفاية الطالب: ١١٥ ينابيع المودة: ١٠٥.
وهاهو شعر الصاحب بن عباد الذي شرحه القاضي جعفر بن أحمد البهلولي اليماني: ٨٥ ط بغداد:
قالت: فمن بات من فوق الفراش فدى * فقلت: أثبت خلق الله في الوهل ورابعا: قال الإستر آبادي في هامش رجال الكشي: ١ / ١٣١: إن همه و حزنه وفزعه وانزعاجه وقلقه حين إذ هو مع النبي (صلى الله عليه وآله) المأمور من تلقاء ربه الحفيظ الرقيب بالخروج والهجرة والموعود من السماء على لسان روح القدس الأمين بالتأييد والنصرة مما يكشف عن ضعف يقينه وركاكة إيمانه جدا.
وخامسا: ان إنزال الله السكينة عليه (صلى الله عليه وآله) فقط لا على صاحبه ولا عليهما جميعا مع كون الصديق أحوج إلى السكينة، حينئذ فقلقه وحزنه يدل على أنه لم يكن أهلا لذلك، وإرجاع الضمير في " عليه " على أبي بكر كما يقول البيضاوي هو فرق لاتفاق المفسرين، وذلك لأن الضمير في " أيده " و " عليه " في الجملتين المعطوفة والمعطوفة عليها يعودان إلى مفاد واحد. (انظر للمزيد كتاب الاحتجاج: ٢ / ٤٩٩ - ٥٠١، وكنز الفوائد للكراجي: 2 / 48، والكشكول للبحراني: 2 / 5).
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 293 294 295 296 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649