هذا فنقول: ليس تعليقه ببعض الأمور أولى من تعليقه بالباقي إلا للدليل فأما همها فكان متعلقا بالفاحشة دون سائر الأمور وذلك للنص والإجماع. أما النص فقوله تعالى (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) وقوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) وقوله تعالى حاكيا عنها (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) وفي موضع آخر (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وأما الاجماع فهو أن المفسرين اتفقوا على أنها همت بالمعصية والفاحشة. وأما همه فقد دللنا على أنه لا يجوز أن يكون متعلقا بالفاحشة وليس في ظاهر الآية ما يقتضيه فلا جرم علقناه بدفعه إياها عن نفسه كما يقول القائل: لقد كنت هممت بفلان أي بأن أوقع به ضربا * لا يقال: فأي فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى: (لولا أن رأى برهان ربه) والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنه لأنا نقول يجوز أن يكون لما هم بدفعها وضربها أرى برهانا على أنه لو قدم على ما هم به أهلكه أهلها وقتلوه، وإنها تدعي عليه المراودة على القبيح وتنسبه إلى أنه دعاها إلى نفسه وضربها لامتناعها منه. فأخبره الله تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمراودة وظن القبح واعتقاده فيه. لا يقال: فهذا يقتضي أن يكون جواب لفظة (لولا) متقدما عليها ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بقربها، وتقدم جواب (لولا) غير جائز. لأنا نقول: لا نسلم
(٥٦)