في هذين أنه ما كان عالما بكونهم من الملائكة، قلت: فلم صدقهم في ادعاء الملائكة من غير دليل؟
* (الثالث) * أنه تعالى وصفه بالمجادلة. فقال: (يجادلنا في قوم لوط) ثم قال: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) وهذا يدل على أن مجادلته مع الملائكة غير جائزة * [والجواب] أن ذلك لو كان ذنبا لعوتب عليه ولاستغفر إبراهيم على السلام منه كيف وقد مدحه الله تعالى على ذلك فقال:
(إن إبراهيم لحليم أواه منيب) فوصفه بهذه الصفات التي ليست وراءها منزلة في باب الرفعة. فكيف يجوز تخطئته فيما جعله الله تعالى سببا للمدح العظيم؟ وأما قوله: كيف صدقهم في ادعاء الملائكة من غير دليل فنقول ليس في الآية أنه صدق من غير دليل، وإذا كان كذلك كان الدليل المذكور على عصمة إبراهيم عليه السلام دليلا على أنه إنما صدقهم في تلك الدعوى بالدليل. ويقال إنهم دعوا الله بإحياء العجل الذي كان ذبحه وشواه فعاد حيا، وأما المجادلة فإنها غير مقصودة على المخاصمة فقد تكون بمعنى المسألة قال الله تعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) يعني تسألك فكأن إبراهيم عليه السلام أخذ يبحث كيفية العذاب وأنه عام لهم أو خاص بالبعض، فسمي ذلك جدالا لما كان فيه من المراجعة، وقيل: معنى (تجادلنا) تسألنا عن قوم لوط أن يؤخر عذابهم رجاء أن يؤمنوا فأخبره الله تعالى بأن المصلحة في إهلاكهم وأن كلمة العذاب حقت عليهم *