بأن التوبة تجب من الصغائر كما تجب من الكبائر، فإن الصغيرة إذا لم يتب منها صاحبها صار مصرا عليها والإصرار على أي ذنب كان كبيرة * وأما من لم يجوز الصغيرة فقد أجاب بأن التوبة قد تحسن ممن لم يذنب قط على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه، ويكون وجه حسنها استحقاق الثواب بها ابتداءا. والذي يدل عليه أنا نقول:
" اللهم اجعلنا من التوابين " فلو كان حسنها مسبوقا بفعل الذنب لكان ذلك سؤالا لصيرورتنا مذنبين، وأنه لا يجوز * [وأما الثالث] فهو ارتكاب المنهى، فالجواب أنا نقول: لا نسلم أن النهي للتحريم فقط، بل هو مشترك بين التحريم والتنزيه وتفسيره أن النهي يفيد أن جانب الترك راجح على جانب الفعل، فأما جانب الفعل فهل يقتضي استحقاق العقاب أو لا يقتضي؟ فذلك خارج عن مفهوم اللفظ وإذا كان كذلك سقط الاستدلال. سلمنا أن النهي للتحريم لكنه ارتكبه ناسيا لقوله تعالى: (فنسي ولم نجد له عزما) وحينئذ لم يكن ذنبا لأن التكليف مرتفع عن الناسي، ولقائل أن يقول:
لا نسلم أنه ارتكبه ناسيا. والدليل عليه قوله تعالى: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) وقوله (وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين) وكل ذلك يدل على أنه ما نسي النهي حال الإقدام على ذلك الفعل، وأيضا فلأنه لو كان ناسيا لما عوتب على ذلك الفعل، ولما سمي بالعاصي، فحيث عوتب عليه دل على أنه ما كان ناسيا، وأما قوله تعالى: (فنسي) ففيه إثبات أنه نسي وليس فيه أنه ما نسي سلمنا