[فإن قيل] هب أنه لا دلالة في الآية على الذنب البتة ولكن مسارعته إلى تصديق أحد الخصمين على حكمه يكون الآخر ظالما غير جائز [قلنا] ليس في القرآن أنه صدقه من غير ظهور الحجة، إذ المراد إن كان الأمر كما ذكرت فقد ظلمك * (الشبهة الثانية) تمسكوا بقوله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان) قالوا فلو كان داود عليه السلام مصيبا في حكمه لما خص الله تعالى سليمان بقوله: (ففهمناها) جوابه أن تخصيص سليمان عليه السلام بالذكر لا يدل على أن داود بخلافه فإن دليل الخطاب في اللقب لا يفيد بإجماع المحققين، ثم في هذا التخصيص فائدتان سوى ما ذكروه:
[الأولى] أن داود عليه السلام كان متوقفا لتعارض الأمارات وسليمان لم يكن كذلك * [الثانية] أن داود عليه السلام كان عالما به لكنه ما أفتى امتحانا لابنه سليمان رجاء أن يفتى به ويستخرج حكمه ويكون تخصيص ابنه سليمان بأن فهمه ذلك تقريرا لعين والده وإعلاء درجته في الناس وإنما أعرض عن ذكر داود عليه السلام للعلم باشتهاره فيما بين الخلق بمعرفة الأحكام، ثم إنه تعالى خلف الكلام بقوله: (وكلا آتينا حكما وعلما) لئلا يتوهم أنه كان جاهلا به وحاكما فيه بغير الصواب *