إلا أن إبراهيم عليه السلام ما أراد إثبات هذه المقدمة بهذه الدلالة العقلية بل أراد إثباتها بالمشاهدة، فإنه لا يجب على المستدل أن يستدل بدليل معين، كيف وفي الرجوع إلى المشاهدة هاهنا مزيد فائدة لأن الحسي أقوى في ذلك من الاستدلال [الثاني] يحتمل أن يقال: وقع ذلك عند وصول الوحي إليه، فإن القوم كما يحتاجون إلى المعجزة في معرفة رسالته، فالرسول لا بد له أيضا من معجز ليعرف به نبوة نفسه، فقوله (أو لم تؤمن) معناه أو لم تؤمن بأنك رسول الله؟ (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) على كوني رسولا من قبلك لا من قبل الشيطان * [الثالث] يحتمل أن يقال: وقع ذلك بعد النبوة ولكنه من الله تعالى لمعرفة شئ آخر، كما يحكى أن الله تعالى أوحى إليه " إني اتخذت عبدا من عبادي خليلا وعلامته أنه لو طلب مني إحياء الميت فإني أفعله إكراما له " فأراد إبراهيم عليه السلام أن يتعرف أن ذلك الخليل هل هو هو؟ فسأل عن ذلك، وكان المعنى ولكن ليطمئن قلبي على كوني خليلا لك ومخصوصا من عندك بهذا الشرف * [الرابع] أن يكون المراد ليطمئن قلبي على قربك على الإحياء بالمشاهدة، فإن البرهان إذا تأيد بالمشاهدة صار أقوى وأعم * [الخامس] أنه عليه السلام لما أمر بذبح الولد ضعف قلبه، فكأنه قال إلهي أمرتني بإماتة الحي وهو على شاق، فإن أكرمتني بإحياء الميت قوى قلبي فأقدر حينئذ على ذلك التكليف، فقوله:
(ولكن ليطمئن قلبي) المراد ليطمئن قلبي على قربي منك