الحجة والقرآن شبهة، ونقل الحجة أولى من نقل الشبهة، وكيف لا تنقل المعارضة لو كانت وقد نقلوا كلام مسيلمة مع ركاكته وبعده عن الشبهة.
فان ادعي ان المانع من النقل هو الخوف من أهل الإسلام وقد بلغوا من الكثرة إلى حد يخاف من مثلهم.
فجوابه: أن الخوف لا يقتضي انقطاع النقل على كل وجه، وإنما يمنع من التظاهر به.
ألا ترى أن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام قد نقلت ولم ينقطع النقل بها مع الخوف الشديد من بني أمية والرهبة من التظاهر بها، وكان يجب أن ينقل ذلك أعداء الإسلام أو يكون نقلا مكتوما فيما بينهم.
وأيضا فإن الكثرة في الإسلام كانت بعد الهجرة، فكان يجب نقل المعارضة قبل ذلك في مدة مقامه بمكة، وإذا نقلت وانتشرت لم تكن قوة الإسلام موجبة بعد ذلك لخفائها إلا أن يدعى أن المعارضة لم تقع في تلك المدة وإنما وقعت بعد الهجرة، وفي ذلك كفاية في إعجاز القرآن وثبوت خرق العادة به.
على أن الإسلام وإن، قوي حينئذ بالمدينة، فقد كانت لأهل الكفر ممالك كثيرة وبلاد واسعة، ومملكة الفرس كانت ثابتة لم تزل، وممالك الروم وغيرها من البلاد إلى هذه الغاية عريضة، فكان يجب ظهور المعارضة في هذه البلاد.
وأما الذي يدل على أن انتفاء المعارضة كان للتعذر إنا قد علمنا أن كل فعل يرتفع من فاعله مع توفر دواعيه إليه وقوة بواعثه عليه فإنه يدل على تعذره، فإذا ثبت ذلك وعلمنا أن العرب تحدوا بالقرآن ولم يعارضوه مع شدة حاجتهم إلى المعارضة وقوة دواعيهم، علمنا أنها متعذرة عليهم، فإذا انضاف إلى ذلك أنهم قد تكلفوا الأمور الشاقة من الحرب وغيره مما لو بلغوا غاية