فلما كان من الغد حجب الناس عنه، وثقل في مرضه صلى الله عليه وآله وسلم، وكان علي لا يفارقه إلا لضرورة، فقام في بعض شؤونه فأفاق إفاقة فافتقد عليا فقال: (ادعوا لي أخي وصاحبي) وعاوده الضعف فأصمت، فقالت عائشة: ادعوا أبا بكر، فدعي فدخل، فلما نظر إليه أعرض عنه بوجهه، فقام أبو بكر.
فقال: (ادعوا لي أخي وصاحبي) فقالت حفصة: ادعوا له عمر، فدعي، فلما حضر رآه النبي عليه السلام فأعرض عنه بوجهه فانصرف.
ثم قال: (ادعوا لي أخي وصاحبي) فقالت أم سلمة: ادعوا له عليا فإنه لا يريد غيره، فدعي أمير المؤمنين عليه السلام، فلما دنا منه أومأ إليه فأكب عليه، فناجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلا، ثم قام فجلس ناحية حتى أغفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أغفى خرج فقال له الناس: يا أبا الحسن ما الذي أوعز إليك؟ فقال: (علمني رسول الله ألف باب من العلم فتح لي كل باب ألف باب، ووصاني بما أنا قائم به إن شاء الله).
ثم ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحضره الموت، فلما قرب خروج نفسه قال له: (ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر الله عز وجل، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة، وتول أمري، وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله عز وجل).
وأخذ علي رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه، وأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
(وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل) ففتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عينيه وقال بصوت ضئيل: