اعتراه - وذلك يوم السبت أو يوم الأحد ليال بقين من صفر - أخذ بيد علي عليه السلام، وتبعه جماعة من أصحابه، وتوجه إلى البقيع ثم قال: (السلام عليكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع اخرها أولها. ثم قال: إن جبرئيل عليه السلام كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة، وقد عرضه علي العام مرتين، ولا أراه إلا لحضور أجلي).
ثم قال: (يا علي، إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة، فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنامت فغسلني واستر عورتي، فإنه لا يراها أحد إلا اكمه).
ثم عاد إلى منزله، فمكث ثلاثة أيام موعوكا، ثم خرج إلى المسجد يوم الأربعاء معصوب الرأس متكئا على علي بيمنى يديه وعلى الفضل بن عباس باليد الأخرى، فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
(أما بعد: أيها الناس، إنه قد حان مني خفوق من بين أظهركم، فمن كانت له عندي عدة فليأتني اعطه إياها، ومن كان له علي دين فليخبرني به).
فقام رجل فقال: يا رسول الله لي عندك عدة، إني تزوجت فوعدتني ثلاثة أواق، فقال عليه السلام: (أنحلها إياه يا فضل).
ثم نزل فلبث الأربعاء والخميس، ولما كان يوم الجمعة جلس على المنبر فخطب ثم قال: (أيها الناس إنه ليس بين الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا أو يصرف به عنه شرا إلا العمل الصالح: أيها الناس لا يدع مدع، ولا يتمن متمن، والذي بعثني بالحق لا ينجي إلا عمل مع رحمة الله، ولو عصيت لهويت، اللهم هل بلغت؟. - ثلاثا -).
ثم نزن فصلى بالناس، ثم دخل بيته، وكان إذ ذاك: في بيت أم سلمة، فأقام به يوما أو يومين، فجاءت عائشة فسأته أن يقل إلى بيتها لتتولى تعليله