لم ير في الدنيا لأنه باق ولا يرى الباقي بالفاني فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصار باقية رئي الباقي بالباقي وهذا كلام حسن مليح وليس فيه دليل على الاستحالة إلا من حيث ضعف القدرة فإذا قوى الله تعالى من شاء من عباده وأقدره على حمل أعباء الرؤية لم تمتنع في حقه وقد تقدم ما ذكر في قوة بصر موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ونفوذ إدراكهما بقوة إلهية منحاها لإدراك ما أدركاه ورؤية ما رأياه والله أعلم. وقد ذكر القاضي أبو بكر في أثناء أجوبته عن الآيتين ما معناه أن
موسى عليه السلام رأى الله فلذلك خر صعقا وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلقه الله له واستنبط ذلك والله أعلم من قوله (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) ثم قال (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) وتجليه للجبل هو ظهوره له حتى رآه على هذا القول وقال
جعفر بن محمد شغله بالجبل حتى تجلى ولولا ذلك لمات صعقا بلا إفاقة وقوله هذا يدل على أن موسى رآه وقد وقع لبعض المفسرين في الجبل أنه رآه وبرؤية الجبل له استدل من قال برؤية محمد نبينا
____________________
(قوله وقد ذكر القاضي أبو بكر) يعنى الباقلاني لأن القاضي أبا بكر ابن العربي معاصر للمصنف لأن مولده سنة ثمان وستين وأربعمائة ومماته سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ومولد المصنف سنة ست وسبعين وأربعمائة، ومماته سنة أربع وأربعين وخمسمائة (قوله وأن الجبل رأى ربه) قال الإمام الرازي في المعلم: فخلق الله تعالى في الجبل حياة وعقلا وفهما وخلق فيه الرؤية فرأى بها.