إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٩ - الصفحة ٣٧٠
عنه قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله تبارك وتعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر (1).
وخرجه أبو داود من حديث سفيان عن عمرو بن دينار، سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس، وأبا الشعثاء (2) قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه قبل موته، بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمة في كتاب الله عز وجل، وصنع طعاما كثيرا فدعاهم، فعرض السيف على فخذه، فأكلوا، ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر (3).

(1) (فتح الباري): 6 / 316، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3156)، (3157).
(2) أبو الشعثاء: هو جابر بن زيد، من ثقات التابعين.
(3) (سنن أبي داود): 3 / 431 - 432، كتاب الخراج والفئ والإمارة باب (31) في أخذ الجزية من المجوس، حديث رقم (3043).
قال الخطابي في (معالم السنن): قوله " ألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق " يريد أخلة من الورق يأكلون بها، قلت: ولم يحملهم عمر على هذه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إذا خلوا وإنما منعهم من إظهار ذلك للمسلمين، وأهل الكتاب لا يكشفون عن أمورهم التي يتدينون بها ويستعملونها فيها بينهم إلا أن يترافعوا إلينا في الأحكام. فإذا فعلوا ذلك فإن على حاكم المسلمين أن يحكم فيهم يحكم الله المنزل. وإن كان ذلك في الأنكحة فرق بينهم وبين ذوات المحارم كما يفعل ذلك في المسلمين.
وفي امتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر دليل على أن رأي الصحابة أنه لا تقبل الجزية من كل مشرك كما ذهب إليه الأوزاعي وإنما تقبل من أهل الكتاب.
وقد اختلف العلماء في المعنى الذي من أجله أخذت منهم الجزية فذهب الشافعي في أغلب قوليه إلى أنها قبلت لأنهم من أهل الكتاب وروي ذلك عن علي بن أبي طالب.
وقال أكثر أهل العلم: إنهم ليسوا من أهل الكتاب، وإنما أخذت الجزية من اليهود والنصارى بالكتاب، ومن المجوس بالسنة.
واتفق عامة أهل العلم على تحريم نسائهم وذبائحهم، وسمعت ابن أبي هريرة يحكي عن إبراهيم الحربي أنه قال: لم يزل الناس متفقين على تحريم نكاح المجوس حتى جاءنا خلاف من الكرخ، يعني أبا ثور.
والحديث أخرجه أيضا الترمذي في (السنن): 4 / 124 - 125 كتاب السير، باب (3) ما جاء في أخذ الجزية من المجوس، حديث رقم (1586).
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»
الفهرست