منا؟ فأسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله تبارك وتعالى عنهما فاستشارهم في ذلك، وهو متكئ عليهما والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخيفه، وأخبرهما بما قد أراد من الصلح، فقالا: إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى، فسمعا وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف.
وأخذ سعد بن معاذ الكتاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم فقالا: يا رسول الله، إن كانوا ليأكلون العلهز (1) في الجاهلية من الجهد، وما طمعوا بهذا منا قط أن يأخذوا تمرة إلا بشرى أو قرى! فحين أتانا الله تعالى بك وأكرمنا بك، وهدانا بك نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شق الكتاب فتفل سعد فيه، ثم شقه وقال: بيننا السيف! فقام عيينة وهو يقول: أما والله للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقه. فقال عباد بن بشر يا عيينة أبا السيف تخوفنا؟ ستعلم أينا أجزع وإلا فوالله لقد كنت أنت وقومك تأكلون العلهز والرمة من الجهد فتأتون هاهنا ما تطمعون بهذا منا ألا ترى وقرى أو شرى ونحن لا نعبد شيئا، فلما هدانا الله وأيدنا بمحمد صلى الله عليه وسلم سألتمونا هذه الخطة! أما والله لولا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجعوا، بيننا السيف! رافعا صوته.
فرجع عيينة والحارث وهما يقولان: والله، ما نرى أن ندرك منهم شيئا ولقد أنهجت للقوم بصائرهم! والله، ما حضرت إلا كرها لقوم غلبوني، وما مقامنا بشئ، مع أن قريشا إن علمت بما عرضنا على محمد عرفت أنا قد خذلناها ولم ننصرها. قال عيينة: هو والله ذلك! قال الحارث: أما إنا لم نصب بتعرضنا لنصر قريش على محمد، والله لئن ظهرت قريش على محمد