وخرجه (1) في كتاب استتابة المرتدين بأبسط من هذا، لفظه: فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الذي جرأ صاحبك على الدماء - يعني
(١) (فتح الباري): ١٢ / ٣٧٥، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (٩) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (٦٩٣٩).
وفي هذا الحديث في الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب الله لهم الجنة ووقع منه ما وقع.
وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله: " اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من الوقوع في شئ من الذنوب.
وفيه الرد على من كفر مسلما بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب.
وفيه من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين.
وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق.
وفيه هتك ستر الجاسوس، وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر في قتله ولم يرده النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا لكونه من أهل بدر، ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك يجتهد فيه الإمام، وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر: يعزر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه.
وفيه العفو عن زلة ذوي الهيئة. وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه الله عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك.
قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام الله في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم، وقد أخبر الله تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام، وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجري عليه أحكام الإسلام.
وفيه من أعلام النبوة اطلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك.
وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأي العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي.
وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها على بتجريدها. قاله ابن بطال.
وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء الله خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع، وقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح حاطب، وعلل بكونه من أهل بدر، والجواب ما تقدم في " باب فضل من شهد بدرا " أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها.
وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار.
وفيه تأدب عمر، وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد استئذانه وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم.
وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب.