حين قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم... الحديث. وكانت الحكمة في ذلك، التدرج له، والتسهيل عليه، لضعف القوى البشرية.
وأما بعد تحقق البعثة والوحي إليه، تركه الله ما شاء أن يتركه، ثم أسرى به يقظة، واستدل لذلك، ثم قال: أول ما أسرى به يقظة كان إلى بيت المقدس، وقد جاءت أحاديث تدل على ذلك، ثم تارة عرج به إلى السماوات، ولم يأت فيها بيت المقدس، وهو ظاهر حديث أنس [رضي الله عنه]، عن مالك بن صعصعة، فوقع كل منهما مفردا.
ثم جمع له الأمر، أن في ليلة أخرى أسرى به إلى بيت المقدس، ورفع منه إلى السماء، وهو ظاهر حديث ثابت عن أنس [رضي الله عنه]، ويجوز أن تكون هذه الحالة وقعت ثانية، لأنه كان عليه السلام قد تأنس به لإسرائه إلى بيت المقدس، فكرر عليه ذلك، وتمم بصعوده إلى السماء، ثم لما تأنس بصعوده إلى السماء، استغنى عن توسط بيت المقدس، فرفع من مكة إلى السماء، والأحاديث على اختلافها لا تخرج عن هذه الأحوال، فنزل على كل حال ما يليق بها منها، وبعض ذلك ظاهر، وبعضه فيه خفاء.
ويدل على أن الإسراء وقع مرارا، اختلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لموسى، فإنه أخبر مرة أنه رآه قائما يصلي في قبره، ومرة أنه صلى بيت المقدس بجماعة من الأنبياء، وذكر موسى منهم، ومرة قال: إنه رآه في السماء السادسة، وفي حديث آخر رآه في السماء السابعة.
وعلى ذلك أيضا، يحمل [الاختلاف] في وقته، فقيل: في رمضان، وقيل: في ربيع الأول، وقيل: في رجب والكل صواب إن شاء الله تعالى.
ثم إنه ظاهر في بعض الأحاديث، أنه صعد إلى السماء على ظهر البراق، كما في حديث مالك بن صعصعة.