فانصر رسول الله نصرا أبدا * وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا * فهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نصرت يا عمرو بن سالم " فما برح حتى مرت بنا عنانة في السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب " وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه وسأل الله أن يعمى على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم.
قال ابن إسحاق: وكان السبب الذي هاجهم أن رجلا من بني الحضرمي اسمه مالك بن عباد، من حلفاء الأسود بن رزن خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الاسلام على بني الأسود بن رزن الدئلي، وهم مفخر (2) بني كنانة وأشرافهم، سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم. قال ابن إسحاق: وحدثني رجل من الدئل قال: كان بنو الأسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين [ونودي دية دية، لفضلهم فينا] (3) قال ابن إسحاق: فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك إذ حجز بينهم الاسلام، فلما كان يوم الحديبية ودخل بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت الهدنة، اغتنمها بنو الدئل من بني بكر وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرا من أولئك النفر، فخرج نوفل بن معاوية الدئلي في قومه وهو يومئذ سيدهم وقائدهم، وليس كل بني بكر تابعه، فبيت خزاعة وهم على الوتير - ماء لهم - فأصابوا رجلا منهم وتحاوزوا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حاوزوا خزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر: إنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال: كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم؟ ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء بمكة وإلى دار مولى لهم يقال له رافع، وقد قال الأخرز بن لعط الدئلي في ذلك:
ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بني كعب بأفوق ناصل (4)