الخلق لين الشيمة [سعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعهده] قال: تعلم يا عمرو أن آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: " إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا " وإنك إن عصيتني لأطيعنك. فسلم أبو عبيدة الامارة لعمرو بن العاص (1). وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص يستنفر العرب إلى الاسلام (2) وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بني بلي فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يتألفهم بذلك، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل - وبه سميت تلك الغزوة ذات السلاسل - قال: فلما كان عليه وخاف بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر وعمر، وقال لأبي عبيدة حين وجهه " لا تختلفا " فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه، قال له عمرو: إنما جئت مددا لي، فقال له أبو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه. وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا، هينا عليه أمر الدنيا. فقال له عمرو: أنت مددي، فقال له أبو عبيدة: يا عمرو إن رسول الله ص قد قال لي " لا تختلفا " وإنك إن عصيتني أطعتك، فقال له عمرو: فإني أمير عليك وإنما أنت مدد لي، قال: فدونك فصلى عمرو بن العاص بالناس (3). وقال الواقدي: حدثني ربيعة ابن عثمان، عن يزيد بن رومان: أن أبا عبيدة لما آب إلى عمرو بن العاص فصاروا خمسمائة فساروا الليل والنهار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها (4)، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع فلما سمعوا بك تفرقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي وعذرة وبلقين ولقي في آخر ذلك جمعا ليس بالكثير، فاقتتلوا ساعة، وتراموا بالنبل ساعة، ورمي يومئذ عامر بن ربيعة وأصيب ذراعه، وحمل المسلمون عليهم فهزموا، وأعجزوا هربا في البلاد وتفرقوا ودوخ عمرو ما هناك، وأقام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه، وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم. فكانوا ينحرون ويذبحون، ولم يكن في ذلك أكثر من ذلك، ولم تكن [لهم] غنائم تقسم (5). وقال أبو داود: ثنا ابن المثنى، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص. قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، قال: فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ " قال: فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت .
(٣١٢)