صلى الله عليه وسلم " إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم " فهذا السياق فيه فوائد كثيرة ليست عند ابن إسحاق وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق من أن خالد إنما حاش بالقوم حتى تخلصوا من الروم وعرب النصارى فقط. وموسى بن عقبة والواقدي مصرحان بأنهم هزموا جموع الروم والعرب الذين معهم وهو ظاهر الحديث المتقدم عن أنس مرفوعا، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه. ورواه البخاري وهذا هو الذي رجحه ومال إليه الحافظ البيهقي بعد حكاية القولين لما ذكر من الحديث (1).
قلت: ويمكن الجمع بين قول ابن إسحاق وبين قول الباقين وهو أن خالد لما أخذ الراية حاش بالقوم المسلمين حتى خلصهم من أيدي الكافرين من الروم والمستعربة، فلما أصبح وحول الجيش ميمنة وميسرة ومقدمة وساقة كما ذكره الواقدي توهم الروم أن ذلك عن مدد جاء إلى المسلمين، فلما حمل عليهم خالد هزموهم بإذن الله والله أعلم. وقد قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه [قال: ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر. فأتي بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه] (2) فجعلوا يحثون عليهم بالتراب ويقولون: يا فرار فررتم في سبيل الله، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عز وجل " وهذا مرسل من هذا الوجه وفيه غرابة، وعندي أن ابن إسحاق قد وهم في هذا السياق فظن أن هذا الجمهور الجيش، وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان، وأما بقيتهم فلم يفروا بل نصروا كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين وهو على المنبر في قوله ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه، فما كان المسلمون ليسمونهم فرارا بعد ذلك وإنما تلقوهم إكراما وإعظاما، وإنما كان التأنيب، وحثي التراب للذين فروا وتركوهم هنالك، وقد كان فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، ثنا زهير، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عمر قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص، فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة قتلنا، ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: من القوم؟ قال قلنا نحن فرارون، فقال لا بل أنتم الكرارون، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين، قال فأتيناه حتى قبلنا يده. ثم رواه غندر، عن شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى عن ابن عمر قال: كنا في سرية ففررنا فأردنا أن نركب البحر، فأتينا رسول الله