من المقاتلة، وتقحموا الجزر كأنهم الضباب (1) حتى صاروا إلى حصن البزاة (2) بالشق وتمنعوا أشد الامتناع، فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتراموا ورمى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة حتى أصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام فأخذ عليه السلام كفا من الحصا فرمى حصنهم بها فرجف بهم حتى ساخ في الأرض وأخذهم المسلمون أخذا باليد. قال الواقدي: ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأخبية (3) والوطيح والسلالم حصني [ابن] (4) أبي الحقيق وتحصنوا أشد التحصن، وجاء إليهم كل من كان انهزم من النطاة إلى الشق فتحصنوا معهم في القموص وفي الكتيبة وكان حصنا منيعا، وفي الوطيح والسلالم، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم، فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوما نزل إليه ابن أبي الحقيق فصالحه على حقن دمائهم ويسيرهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من الأرض والأموال والصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى البز، إلا ما كان على ظهر إنسان - يعني لباسهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتم شيئا فصالحوه على ذلك (5).
قلت: ولهذا لما كتموا وكذبوا وأخفوا ذلك المسك (6) الذي كان فيه أموال جزيلة تبين أنه لا عهد لهم فقتل ابني أبي الحقيق وطائفة من أهله بسبب نقض العهود منهم والمواثيق.
وقال الحافظ البيهقي: حدثني أبو الحسن علي بن محمد المقري الأسفرايني، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عبيد الله بن عمر فيما يحسب أبو سلمة عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء [والحلقة] ويخرجون منها واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم، ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ [لعم حيي]: ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟ فقال: أذهبته النفقات والحروب، فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير