قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال، فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعض من أسلم: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا شئ، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست لهم قوة وأن ليس بيدي شئ أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غنى، وأكثرها طعاما وودكا. فغدا الناس، ففتح عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه (1).
قال ابن إسحاق: ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنهم الوطيح والسلالم وكان آخر حصون خيبر افتتاحا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشر ليلة. قال ابن هشام: وكان شعارهم يوم خيبر: يا منصور أمت أمت (2).
قال ابن إسحاق: وحدثني بريدة بن سفيان الأسدي الأسلمي عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو قال: إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم، ونحن محاصروهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ قال أبو اليسر: فقلت: أنا يا رسول الله قال: فافعل. قال فخرجت أشتد مثل الظليم (3) فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال: اللهم أمتعنا به قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولها الحصن (4)، فأخذت شاتين من أخراها، فاحتضنتهما تحت يدي، ثم جئت بهما أشتد كأنه ليس معي شئ حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوهما فأكلوهما، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا وكان إذا حدث الحديث بكى، ثم قال: امتعوا بي لعمري حتى كنت من آخرهم (5). وقال الحافظ البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي أو عن أبي قلابة قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قدم والثمرة خضرة قال فأسرع الناس إليها، فحموا فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان (6) ثم يجرونه عليهم إذا أتى الفجر، ويذكرون اسم الله عليه، ففعلوا ذلك فكأنما نشطوا من عقل. قال البيهقي ورويناه عن