عتبة (1) بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث. أن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني وقالوا كذا وكذا، فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الامر ما لا أطيق أنا ولا أنت. فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك.
فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن قد بدا لعمه فيه، وأنه خاذله ومسلمه، وضعف عن القيام معه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري (2) ما تركت هذا الامر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه " ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الامر برسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي فأقبل عليه، فقال أمض على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا. قال ابن إسحاق ثم قال أبو طالب في ذلك:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا فأمضي لأمرك ما عليك غضاضة * أبشر وقر بذاك منك عيونا (3) ودعوتني وعلمت أنك ناصحي * فلقد صدقت وكنت قدم أمينا (4) وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا ثم قال البيهقي: وذكر ابن إسحاق لأبي طالب في ذلك أشعارا، وفي [كل] ذلك دلالة على أن الله تعالى عصمه بعمه مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه حيث لا يكون عمه بما شاء لا معقب لحكمه (5). وقال يونس بن بكير: حدثني محمد بن إسحاق [قال]: حدثني رجل من أهل مصر قديما منذ بضع (6) وأربعين سنة عن عكرمة، عن ابن عباس، في قصة طويلة جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام رسول الله قال أبو جهل بن هشام: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا وإني أعاهد الله لاجلس له غدا بحجر، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أبو جهل - لعنه الله - أخذ حجرا ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا