فصل في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب وقد اختلف في مدة مقامه بها، فقال الواقدي: سبعة أشهر، وقال غيره أقل من شهر والله أعلم. قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الصمد، قال سمعت أبي يحدث فقال حدثنا أبو التياح يزيد بن حميد الضبي، حدثنا أنس بن مالك. قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملا بني النجار فجاؤوا متقلدي سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملا بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملا بني النجار فجاؤوا فقال: " يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا " فقالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل، قال (1): فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع. قال فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقول (2):
" اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة * فانصر الأنصار والمهاجرة " وقد رواه البخاري (3) في مواضع أخر ومسلم من حديث أبي عبد الصمد وعبد الوارث بن سعيد. وقد تقدم في صحيح البخاري عن الزهري عن عروة أن المسجد الذي كان مربدا - وهو بيدر التمر - ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة وهما سهل وسهيل، فساومهما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى حتى ابتاعه منهما وبناه مسجدا. قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو ينقل معهم التراب:
هذا الحمال لا حمال خيبر * هذا أبر ربنا وأطهر ماجة في الصلاة.